إدارة بايدن تصنع “داعش” جديدة

أحمد عدنان
أحمد عدنان

أدعو السيد جو بايدن رئيس الولايات المتحدة وإدارته إلى تأمل تاريخ محوري في مسبرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وأعني بالتحديد أغسطس/آب 2013. في تلك المرحلة أعلن الرئيس باراك أوباما نيته ضرب الرئيس بشار الأسد ونظامه في سورية، عقابا على استخدام النظام للأسلحة الكيميائية المحرمة ضد شعبه، لكنه للأسف، أي أوباما، تراجع عن ذلك بذريعة مبادرة روسية.

وأهمية ذلك الحدث والتاريخ، أنه نفخ الحياة والروح في جنين مشبوه ومشوه اسمه “داعش”. قبل تراجع أوباما عن معاقبة الأسد كانت أعداد “داعش” في سوريا لا تتجاوز عشرات أو مئات الأفراد، وبعد التراجع قفز العدد إلى أرقام مخيفة في سوريا والعراق وغيرهما. لقد ظن سوريون وعراقيون أن إدارة أوباما ستخلصهم من إيران وميليشياتها وأدواتها وعملائها، وبشار الأسد أحدهم، وحين تراجعت الإدارة استسلمت شريحة ملحوظة من المغلوبين على أمرهم، في انتحار يائس وبائس، للتطرف وللإرهاب لعل وعسى.

هذا الاستذكار واجب، فقد اعتبر المبعوث الأميركي إلى اليمن ميليشيا الحوثي طرفاً شرعياً. وخطورة هذا التصريح، أنه يبطن تشريعاً ضمنيا للميليشيات الإيرانية في المنطقة، إذ لا يعقل إضفاء شرعية على ميليشيا وحرمان شقيقاتها من هذه الشرعية.

خطورة هذا الموقف تكمن في غير وجه:

– في خضم الصراع الدائر في المنطقة بين الدولة الوطنية وبين الميليشيات الإيرانية، منحت إدارة بايدن قبلة الحياة للميليشيات، وهذا يعني إطالة أمد الصراع.

– من الحماقة التصور بأن الميليشيات الإيرانية ستهزم الدولة الوطنية في المنطقة، لكن ما سيجري هو أن فكرة الميليشيات نفسها ستتكاثر وتزدهر، فميليشيات ايرانية هنا وميليشيات عربية هناك، ولهذا تداعياته الوخيمة التي تتجاوز أمن المنطقة إلى أمن العالم.

– إن تشجيع منظمات إرهابية بمنحها الشرعية والدعوة إلى الحوار معها ثم وهبها مكاسب كجماعة يعني ضرب مبدأ المواطنة، والأخطر أنه يحرض الجماعات الأخرى على الاقتداء، فإذا كان الانحياز إلى الدولة الوطنية مقدمة للتنازل، وكان تشكيل ميليشيا مرادفا للمكاسب، لن يبقى أحد مع الدولة، وسيلجأ المواطن العادي إلى تشكيل ميليشيات مضادة لإيران وربما للغرب، كتعبير نهائي عن رفض الإيرانيين، وبحثاً عن المكاسب والأمان المفترض تحصيلهما من الدولة الوطنية ومن الغرب.

– أعلنت إدارة بايدن أن أولويتها تكمن في تطويق روسيا والصين. والمضحك المبكي، أن نفس هذه الإدارة تتجه إلى التسامح مع إيران وميليشياتها، أي حلفاء روسيا والصين في المنطقة، ما ينبئ بفشل ذريع في التعامل مع أولويات الولايات المتحدة.

–  لإدارة بايدن ملاحظاتها على الدولة الوطنية في المنطقة، وهي محقة في بعض هذه الملاحظات، لكن الإضعاف غير المباشر لهذه الدولة، بغض النظر إن كان ذلك بقصد أو بلا قصد، يعني تدمير أهم خط دفاعي للعالم في مواجهة الإرهاب، والأهم أنها تسلم أهل المنطقة إلى مصائر مريعة، خصوصاً وان جرائم الميليشيات ضد الديمقراطية وضد حقوق الإنسان، ولا ننسى الجرائم ضد الإنسانية، هي الأشد فظاعة في أي مقارنة مع أي نظير.

إن التساهل الأميركي مع الميليشيات الإيرانية، رغم بلاهته، مفهوم، فهجمات هذه الميليشيات على العرب وعلى المسلمين السنة أكثر بكثير من هجماتها على المصالح الأميركية المباشرة، ومع ذلك لا يمكن نسيان نشاطات هذه الميليشيات في الغرب، تجارة المخدرات وغسيل الأموال في أوروبا واميركا، وتخزين نترات الامونيوم في قبرص وبريطانيا وألمانيا. هذا التساهل الأميركي يذكر بالتغاضي الأميركي عن سيئات وخطايا تنظيم القاعدة بسبب تقاطعات سياسية معروفة في مرحلة سابقة، وانتهى هذا التغاضي بجريمة 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الإرهابية.

خلاصة القول، إن التسامح الأميركي مع إيران وأدواتها وميليشياتها وجرائمها في المنطقة، لن يؤدي إلى تمكين إيران، بل سيؤدي إلى تمكين الإرهاب وتغوّله في المنطقة وفي العالم. ومن هذا المنطق، يبدو أن إدارة السيد بايدن تتجه بلا قصد إلى صناعة نسخ جديدة ومتحورة من تنظيم داعش، وهذه النسخ على غرار فيروس دلتا، أشد قدرة على العدوى وعلى الإرهاب، ولن أجادل في مصداقية وصحة وسلامة نوايا السيد بايدن وإدارته، لأن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.

شارك المقال