السعودية – العراق: جوار وحوار لا يخلو من تربص ايران

علي البغدادي

بينما كان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ينظر عبر نافذة الطائرة الرئاسية الى السماء وهي تحتضن اسراب المقاتلات الجوية السعودية ترحيبا به، لم يختلف المشهد على الارض بعدما اطلقت المدفعية 21 اطلاقة، ورفرفت الاعلام العراقية في شوارع العاصمة احتفاء بزائر المملكة الآتي من بلد عانى ويلات الحرب والارهاب والانقسامات والتدخلات الخارجية.

عكست حفاوة الاستقبال لرئيس الوزراء العراقي وما تمخض عن محادثاته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في الرياض نهاية الشهرالماضي، من اتفاقات مهمة وجولته في مدينة الدرعية التاريخية، الرغبة الواضحة لدى الرياض في وضع بغداد على سكة الانعتاق من تأثيرات التدخل والنفوذ الايراني والصلف التركي، وفتح الاذرع قبل الابواب امام الاندفاعة العراقية تجاه المحيط العربي على الرغم من الموانع وافتعال المشكلات التي تجيدها الكيانات والشخصيات الحليفة لايران.

ومرت العلاقات العراقية – السعودية خلال تاريخها الطويل بمراحل ازدهار وبمنعطفات كان الاشد وقعا عليها غزو القوات العراقية لدولة الكويت، وما جرته هذه الخطوة من تبعات مازال العراق والمنطقة يدفع ثمنها حتى الان. لكن الأبرز في تلك العلاقات أنها كانت تمتاز بالبرودة خلال سنوات مابعد الغزو الاميركي عام 2003، حتى تمكن رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي من اذابة الجليد، لتعاود الركود مرة اخرى خلال حقبة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لتتحرك المياه الساكنة خلال حقبة مصطفى الكاظمي.

عكست حفاوة الاستقبال لرئيس الوزراء العراقي وما تمخض عن محادثاته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرغبة الواضحة لدى الرياض في وضع بغداد على سكة الانعتاق من تأثيرات التدخل الايراني والصلف التركي

 

ومع الارتياح الناجم عن زيارة الكاظمي للسعودية سياسيا او شعبيا وتجاوزها حالة التشويش، الذي مارسته ادوات ايران السياسية عبر منابرها الاعلامية في حملة منسقة للهجوم على الكاظمي والسعودية جندت حسابات وهمية على مواقع التواصل ومحللين واعلاميين منسجمين مع الرؤية الايرانية… فان التوقعات كما الدلائل تشير الى ان نتائج المحادثات ستكون نافعة ومهمة للعراق اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، على وقع التحولات الكبرى للملكة العربية السعودية وريادتها الاقتصادية في الشرق الأوسط ومشاريعها الاستراتيجية الكبرى التي تستلزم اشتراك جارها الشمالي فيها.

في المقلب الاخر كتب على الكاظمي خوض مواجهة صامتة او خلف الكواليس مع بعض الأطراف السياسية العراقية الفاعلة، وكذلك الميليشيات التي أصبح لها ثقل كبير في القرار السياسي، وهي ما برحت تهاجم بمناسبة او بدونها السعودية تلبية لرغبات طهران في شد العصب الاقليمي وتحويل العراق الى ساحة لتصفية الحسابات القديمة – الجديدة مع الولايات المتحدة… فهذه الأطراف سترفض أي توجه عراقي للسعودية حتى لوكانت فيه مصالح كبيرة للعراق.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي العراقي فلاح المشعل في تصريح خاص أن “زيارة الكاظمي للسعودية ستعود على العراق بجملة من المنافع المهمة، وإذا تجاوزنا تعميق الأواصر الأخوية فأن المصالح المشتركة بين البلدين ستحقق المزيد من المكاسب خصوصا للحانب العراقي الذي يعاني أزمات قائمة منذ سنين بعيدة، وفي مقدمتها أزمة الكهرباء وتطوير آفاق العمل والاستثمار في مجالات النفط والغاز، وكذلك في شركات الصناعة والتجارة التي قطعت فيها المملكة اشواطا من النجاح والتقدم ، ناهيك عن محاور اقتصادية تبادلية مثل النقل والحج وميادين الاعمار والبناء وغيرها”.

وقال المشعل: “الجانب السياسي بات اليوم مهما بعد تشكيل التكتلات الاقليمية، ولأن الرياض عرفت بكونها ذات سياسة رشيدة وداعمة لاستقلال الدول العربية فأن التقارب العراقي – السعودي سيعطي قوة حضور لكلا الجانبين، وهو ماينعكس ايجابيا على الحالة الأمنية حيث يعاني البلدان من تهديدات داعش ومختلف تصنيفات الارهاب”.

‏وبشأن الموقف الايراني من الزيارة يسأل المشعل: “هل ستنظر طهران بعين الرضا لهذه الزيارة ؟” ليجيب بشكل قاطع: “بالتأكيد كلا، بل ستحارب أي مسعى عراقي للتقارب والتواصل مع السعودية، ناهيك عن الخلافات السياسية والحرب شبه المعلنة بين طهران والرياض، ما سيدفع ايران الى افشال نتائج هذه الزيارة ومكتسباتها كلما تمكنت من ذلك، لكن يبدو أن اصرار الحكومة العراقية واحتياجات العراق وأزماته صارت تفرض واقع التعامل مع العرب وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية”.

‏وبشأن الموقف الايراني من الزيارة يسأل المشعل: “هل ستنظر طهران بعين الرضا لهذه الزيارة ؟” ليجيب بشكل قاطع: “بالتأكيد كلا، بل ستحارب أي مسعى عراقي للتقارب والتواصل مع السعودية، ناهيك عن الخلافات السياسية والحرب شبه المعلنة بين طهران والرياض، ما سيدفع ايران الى افشال نتائج هذه الزيارة ومكتسباتها كلما تمكنت من ذلك، لكن يبدو أن اصرار الحكومة العراقية واحتياجات العراق وأزماته صارت تفرض واقع التعامل مع العرب وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية”.

الموضوع الأمني فرض نفسه فرضا على مجريات الاحداث. ووجود الميليشيات المرتبطة بايران وتحركها قرب الحدود مع السعودية او من خلال علاقاتها بشبكة الاطراف الاقليمية العسكرية المرتبطة ب”الحرس الثوري” جعل من مشاركة 3 مسؤولين أمنيين كبار (وزير الداخلية عثمان الغانمي ومستشار الأمن الوطني قاسم الاعرجي ووكيل جهاز المخابرات علي الدليمي) ضمن وفد الكاظمي للرياض‏ تأكيدا على ان للملف الأمني حيزا كبيرا في المحادثات الخاصة بالحدود المشتركة وتهديدات الميليشيات.

ووفقا لمصادر مطلعة فان “المحادثات الامنية تطرقت الى ضرورة السيطرة على السلاح المنفلت وكبح نفوذ الميليشيات الى جانب عرض خرائط لتواجد مقرات الميليشيات في مناطق حدودية وضرورة الحد من تحركاتها”.

فالجانبان العراقي والسعودي اتفقا على تكثيف التعاون والتنسيق وتبادل وجهات النظر بخصوص المسائل والقضايا التي تهم البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية، وبما يسهم في دعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وضرورة إبعادها عن التوترات وأسبابها، والسعي المشترك لإرساء دعائم الأمن والاستقرار المستدام الى جانب السعي لضمان أمن وسلامة واستقرار المنطقة، وحث جميع دول الجوار على الالتزام بمبادئ حُسن الجوار، والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

المحادثات الأمنية تطرقت الى ضرورة السيطرة على السلاح المنفلت وكبح نفوذ الميليشيات الى جانب عرض خرائط لتواجد مقرات الميليشيات في مناطق حدودية وضرورة الحد من تحركاتها

 

وتمخضت الزيارة عن اتفاق على ضرورة الاستمرار في التعاون وتنسيق المواقف في المجال البترولي، ضمن نطاق عمل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) واتفاق (أوبك +)، مع الالتزام الكامل بمقتضيات الاتفاق وآلية التعويض، وبجميع القرارات التي تم الاتفاق عليها، بما يضمن استقرار أسواق البترول العالمية، فكل من بغداد والرياض، باعتبارهما اللاعبين الابرز في منظمة اوبك، يدركان أن التفاهم بينهما في مجال النفط سيساعد في تحقيق استقرار الأسعار خلال الفترة المقبلة وان التنسيق المشترك سيعزز من الشراكة القائمة في محال الطاقة.

كما جاء الاتفاق العراقي – السعودي على تأسيس صندوق مشترك يقدر رأس ماله بثلاثة مليارات دولار، بحسب بيان مشترك، إسهاماً من المملكة في تعزيز الاستثمار في المجالات الاقتصادية بما يعود بالنفع على الاقتصادين السعودي والعراقي وبمشاركة القطاع الخاص من الجانبين، وهي خطوة تحمل ابعادا مهمة على الصعيد الاقتصادي وتحقيق فوائد جمة للاقتصاد العراقي، الذي يعاني من تدهور ملحوظ على خلفية انتشار الفساد في مؤسسات الدولة وسوء التخطيط وعزوف الشركات الكبرى عن الاستثمار في العراق بسبب البيروقراطية وتهديد المليشيات بفرض عمولات اجبارية عليها.

ووقّع العراق والسعودية على اتفاقات ثنائية لتجنب الازدواج الضريبي، والتعاون في مجال التخطيط التنموي للتنوع الاقتصادي وتنمية القطاع الخاص، وتمويل الصادرات السعودية.

كما منح اللقاء دفعة لمشروع الربط الكهربائي بين السعودية والعراق، من خلال التاكيد على إنجازه لأهميته للبلدين، فضلا عن اتفاق البلدين على تعزيز فرص الاستثمار للشركات السعودية ودعوتها إلى توسيع نشاطاتها في العراق وفي مختلف المجالات وفي جهود إعادة الإعمار.

ومع ان الكاظمي على يقين اكثر من غيره بانه يسير على حبل مشدود في العلاقة مع الرياض وطهران، التي تريد ان تكون لها الكلمة الفصل في علاقات بغداد الديبلوماسية الا ان رئيس الوزراء بات اكثر تحررا في اختيار توجهات بلاده نحو العرب على وجه الخصوص، حتى وان كان الوقت متأخرا سيما ان البلاد على بعد اشهر قليلة من انتخابات تشريعية جديدة ستكون مفصلية في شكل الحكومة المقبلة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً