لا يدرك زعماء الموارنة على الأرجح أن مصير البلد ومصير اتفاق الطائف أصبح على المحك وأن المطلوب منهم أولاً وأخيراً السعي الحثيث للمحافظة عليه لأنه يؤمن مصالحهم كما مصالح اللبنانيين كافة، إذ أنهى الحرب الأهلية التي شهدت جولات قتال عنيفة بين المتخاصمين على هوية لبنان وبينهم على السواء.
هذا الاتفاق الذي نص على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، ترك لأبناء الطائفة المارونية تحديداً كل المواقع الرئيسة في الدولة بدءاً من رأس الهرم أي رئاسة الجمهورية مروراً بقيادة الجيش ورئاسة هيئة التفتيش المركزي وحاكمية مصرف لبنان وقيادة الدرك في قوى الأمن الداخلي، هذه المفاصل التي بدأت تشهد فراغاً سرعان ما يصار الى ملئه حسب الأقدمية وبالتالي قد يكون المسلمون هم من يحتلها نظراً الى استمرار الفراغ الرئاسي.
ونحن على مقربة من انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فإن الانتقال السلس للحاكمية سيؤول إلى نائبه الأول الشيعي وسيم منصوري وفقاً لنص قانون النقد والتسليف، ولغياب القدرة لدى حكومة تصريف الأعمال على تعيين حاكم أصيل الذي وفقاً للدستور يجب أن يتلو قَسَم توليه المنصب أمام رئيس الجمهورية الغائب.
وكما الحاكمية، فإن باقي المناصب معرضة للشغور بسبب إحالة الذين يتولونها على التقاعد أو الاستقالة نتيجة انهيار العملة الوطنية الأمر الذي أوصل رواتبهم ومخصصاتهم إلى أدنى سلم الحياة الكريمة. فإن حصل ذلك، يكون المستفيدون حكماً من غير الموارنة، فهل يعي زعماء الطائفة الكريمة هذا الواقع؟ على الأرجح لا وإذا كانوا يدركون فهم يتصرفون بتهاون وعدم اكتراث كما لو أنهم غير راغبين في هذه التركيبة.
وازاء عدم رغبتهم بالأمر الواقع، ماذا تراهم يفعلون؟ يختلفون في ما بينهم على أحقية من يكون رئيس الجمهورية المقبل، كما لو أن هذه الغريزة الجينية التي لا يملكها إلا الموارنة تجعل الواحد منهم منذ الولادة يطمح ويحلم بأن يكون رئيساً، وهم يعرّضون عن معرفة أم من دونها اتفاق الطائف للخطر.
والمستغرب هنا أن جميع الدعوات إلى تغيير شكل النظام اللبناني الحالي أكانت دعوات الى الفدرلة أو التقسيم أو حتى تطبيق اللامركزية الادارية والمالية الموسعة، إنما تعطي الأعذار لـ “حزب الله” للمطالبة بالدعوة إلى عقد مؤتمر تأسيسي جديد ينسف القاعدة المعمول بها حالياً أي المناصفة، وبالتالي نسف اتفاق الطائف، ولا تساعد أرقام المسيحيين المقيمين في لبنان على الاستمرار في النهج الحالي لتوزيع المقاعد النيابية أو المراكز الرئيسة في البلاد.
وإذا كانت الكتل النيابية المسيحية الموزعة بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” و”الكتائب” غير قادرة على التوافق لاختيار أحد نوابها كي يكون مرشحاً توافقياً للرئاسة، فإن في ذلك استخفافاً بعقول اللبنانيين، فهل يعقل أن هذه الكتل النيابية مجتمعة التي تحتكر 99% من النواب الموارنة البالغ عددهم 34 نائباً غير قادرة على التوافق على أحدهم؟ فالسلام على من اتبع الهدى.
لكن من الواضح أن كل واحد من هؤلاء النواب يقول ويتصرف على قاعدة أنا أو لا أحد، وفي مقدمهم رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي بدأ خطة ممنهجة منذ وصول عمه الرئيس السابق ميشال عون إلى الرئاسة في العام 2016، قوامها شيطنة كل الشخصيات المارونية المنافسة له، وهو في هذا النهج لم يترك للصلح مطرحاً لا بل امتدت خلافاته لتطال مكونات لبنان الأخرى كافة والمقصود المسلمون.
يا زعماء الموارنة، بالله عليكم اتفقوا، فالبلد لا يحتمل مغامرات من أي نوع كانت وخصوصاً مغامرة تتعلق بتغيير النظام اللبناني الحالي والذي يؤمن لكم مصالحكم أكثر من أي طائفة أخرى. فالشيعة “المحرومون” لا يزالون يطمحون إلى لعب دور دستوري أكبر من مجرد رئاسة المجلس وهم تمكنوا من القيام بدور أكبر من المنصوص لهم عنه دستورياً، فإلى جانب رئاسة مجلس النواب تمكنوا من استحداث مديرية أمنية وأصبح وزير المال شيعياً على الدوام، أما الدروز وهم الذين خرجوا “منتصرين” في الحرب فلم يتمكنوا سوى من زيادة نائبين إلى حصتهم داخل المجلس النيابي.
بالله عليكم أنقذوا الطائف رحمة بالبلاد والعباد، والأمر بيدكم وحدكم فلا تترددوا.