هل الرسالة التي أراد “حزب الله” أن يوجهها الى إسرائيل من خلال المناورة العسكرية في جنوب لبنان، الذي أطلق عليها “سنعبر”، أنّه بات جاهزاً للتغلغل في العمق الاسرائيلي، إذا ما اندلعت الحرب هذه المرة، من خلال تركيز الحزب خصوصاً على منظومة الصواريخ المخصّصة لصدّ الدروع والدبابات، وطرح كذلك مجموعة متنوّعة من راجمات الصواريخ المخصّصة للتغلغل البري؟
أو أنّ المقصود بـ “العبور” هو العبور إلى الداخل اللبناني من مرحلة إلى مرحلة، استناداً إلى تزامن تلك المناورة مع التطورات والتحولات الجذرية في المنطقة والعالم؟
مناورة “سنعبر” أتت في توقيت مهم للغاية تشهد فيه المنطقة العربية والعالمية تحولات جذرية، منها عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وسقوط باخموت بيد الروس، وفشل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على صعيد تقويض القوة الروسية وغير ذلك من الأحداث.
تشديد “حزب الله” على أنّ المناورة رمزية بالدرجة الأولى، لا يلغي أنّها جاءت بقرار واضح من قيادته يهدف إلى إرسال مجموعة من الرسائل إلى من يعنيهم الأمر في هذا التوقيت بالذات.
لذلك، اعتبر مراقبون أنّ رسالة الحزب في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، وعلمه المسبق بأنّ ذلك سيثير استفزازات وعلامات إستفهام على المستويات المحلية والعربية والدولية، موجّهة بالدرجة الأولى إلى القوى السياسية المحلية، إضافة إلى عواصم القرار المؤثّرة على الوضع اللبناني، بأنّ أيّ تسوية ستحصل لن تكون على حسابه، وأنّه يزداد قوة وقدرة، وأنّ طهران لن تتنازل قيد أنملة عن دوره وموقعه وقوّته العسكرية في المعادلة اللبنانية، ما سيبقيه الممسك بالقرار اللبناني، بما يخدم المصالح الايرانية في المنطقة.
وربط المراقبون بين توقيت المناورة ورمزيتها، أنّها أتت بعد بضعة أيام على القمة العربية في جدة، التي ورد في بيانها الختامي فقرة نصّت على: “التأكيد على حق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقّهم في مقاومة أيّ اعتداء بالوسائل المشروعة”، على الرغم من أنّ هذه الفقرة قد مرّت مرور الكرام، ولم يتوقف عندها الساسة اللبنانيون، مع أنّها تشكّل سابقة في بيانات القمم العربية، لجهة الوضوح بالتسليم بدور “المقاومة”.
من هنا يمكن اعتبار أنّ الحزب عبّر بصورة عملانية من خلال استعراض تطوّر منظومته العسكرية، عن قراءته الخاصة لبيان القمة العربية بأنّه إقرار ضمني عربي، بحق لبنان في الدفاع عن نفسه، واسترجاع أراضيه من إسرائيل عبر المقاومة ذات القدرات العسكرية التي باتت تشكّل قلقاً جدياً لدى العدو الصهيوني، في ظل محدودية قدرات الجيش اللبناني بأن يكون قوة ردع قادرة على مواجهته، في حال إندلاع أي مواجهة عسكرية معه، خصوصاً مع زيادة الحديث عن وحدة الساحات (!) وهذا ما عبّر عنه رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” هاشم صفي الدين، من مكان المناورة بالقول: “إنّ الحزب اليوم قوة ممتدة ومحور كامل سيبقى يتطوّر من غزة والضفة والداخل (الفلسطيني) المحتل ولبنان، إنطلاقاً من إيران”، متوجّهاً إلى إسرائيل بالقول: “صواريخنا الدقيقة ستضرب قلب كيانكم وتفكيك الجبهات بات خيالاً”.
بناءً على ما تقدم، لا يمكن اعتبار المناورة العسكرية، مجرد حالة “إحتفالية” لمناسبة ذكرى انسحاب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان، بل أتت تكريساً لامساك الحزب منفرداً بقرار الحرب والسلم، مستفيداً في هذا التوقيت من انفراج العلاقات العربية مع كلّ من سوريا وإيران، للعودة إلى ما قبل حرب تموز، عندما كان سلاحه يحظى بإجماع داخلي وعربي في مواجهة إسرائيل.
وما يعزّز تكريس دور الحزب في إمساكه بالقرار اللبناني على كلّ الصعد والمستويات، استمرار الشغور الرئاسي المقرون بتعطيل دور المؤسسات الدستورية، والانهيار المالي والاقتصادي، وبالتالي إستفحال الخلافات الداخلية حيال كل القضايا الملحة، وفشل كل المبادرات المحلية والخارجية لانهاء الأزمة اللبنانية المفتوحة.
كل ذلك، يجعل “حزب الله” يقول وأمام حشد إعلامي واسع وبلغة فائض قوته العسكرية: الأمر لي!
هذا الواقع، يدفع إلى التساؤل وسط قلق كبير يساور اللبنانيين: هل سيدفع لبنان ثمن التسويات الكبرى في المنطقة، كما دفع سابقاً ثمن الخلافات، ويكون جائزة ترضية لايران، مقابل تهدئة بلدان أخرى؟