عن الخطف ومبتغاه

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

تؤشر حادثة خطف المواطن السعودي مشاري المطيري على أيدي عصابة من العصابات التي تعيش وتحيا بفعل الغطاء الذي يوفره لها حزب السلاح غير الشرعي وحماياته لها على الحدود اللبنانية – السورية، حيث تتحرك بحرية من دون حسيب أو رقيب، إلى خطورة الفوضى السائدة بفعل تغييب الدولة والفراغ الحاصل في رأس السلطة والمؤسسات. ولولا بقية باقية من الأجهزة الأمنية المخابراتية والقوات العسكرية للجيش لقلنا إن لا أمل حقاً في قيامة لبنان من جحيم عهد الفساد، بعد التدهور الحاصل على كل المستويات والذي يهدده في وجوده.

فتح خطف المطيري الجرح اللبناني على مصراعية ليستذكر كثيرون اللبنانيين الذين خطفوا في أماكن يسيطر عليها أصحاب القوة الفائضة ولم يعرف مصيرهم في المناطق التي يمنع على القوى الأمنية الشرعية ممارسة مهامها وفرض سلطتها عليها بفعل السياسات التي حوّلت لبنان الى ساحة تبادل للرسائل بين دول الاقليم.

وأسلوب الخطف اعتمده نظام الملالي بواسطة “حزب الله” في الثمانينيات ولم يكن النظام السوري أثناء حكم الوصاية بعيداً عنه، والهدف وضع لبنان تحت سيطرة النظام الايراني وحلفائه، وتم اختراع أساليب متعددة بينها في السنوات الأخيرة ما راج من عمليات خطف مقابل الفدية، ولم توفر العصابات المستقوية بالسلاح حتى الأطفال.

فسر البعض حادثة الخطف الأخيرة بأنها رسالة سياسية وتعبير عن موقف يمثل متضررين من التقارب السعودي – الايراني، يريدون ورقة يمسكون بها في ظل احتدام المواقف على الخيار الرئاسي.

لكن ما كان لافتاً هو نجاح عملية تحرير المواطن السعودي وعودته سالماً مع إعتقال مجموعة من المجرمين المسؤولين عن عملية الخطف، والحرفية العالية التي أثبتت قدرة الجيش والمؤسسات الأمنية على ضبط الأمن عندما يتخذ القرار المناسب، ويؤشر الى امكان التعامل مع بؤر المسلحين والمهربين بنجاح وإن كانت محمية من قوة سياسية.

لا يقلل الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب في حديث لــ “لبنان الكبير” من خطورة حادثة خطف المطيري، معتبراً اياها مؤشراً على انفلات الوضع الأمني في لبنان لا سيما أنها هددت بدايات الموسم السياحي الذي كان واعداً للبنان. ويقول: “لا شك في أن ذلك سيؤثر على العملية الأمنية في البلد وعلى توافد السياح الخليحيين اليه، فبعد الاعلان عن عملية الخطف علمت أن هناك عدداً كبيراً منهم ألغى حجوزاته”.

ويؤكد أن “هذه العملية ما كان مقدراً لها أن تحصل ما لم يكن هناك تقلت أمني في البلد، وتغييب لدور الدولة أو مزيد من اضعافها في هذه المرحلة بغياب رئيس للجمهورية وحكومة فاعلة وأزمة اقتصادية يعاني منها الجيش والأجهزة الأمنية”.

إلا أنه يصف العملية التي قام بها الجيش بأنها “عملية ناجحة ومهمة وتدل على أنه لا تزال لدينا مؤسسة عسكرية ومؤسسات أمنية قادرة على أن تقوم بدورها في حفظ الأمن والاستقرار ولو بالحد الأدنى من القدرات”، معتبراً أن “الحل الأول والأخير هو حل سياسي في لبنان ويبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة توحي بالثقة والبدء بعملية اصلاح وقبل ذلك كله وجود قرار واحد للدولة”.

وعن الاستقراء بقوة السلاح، يرى دياب أن “عصابات الخطف والمخدرات لو لم يكن لها غطاء وحمايات حزبية وسياسية لما تجرأت على القيام بعمليات كهذه”، مشدداً على أن “الحل أولاً وأخيراً هو حل سياسي يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وأن تقلع القوى والأحزاب الموجودة في البلد سواء حزب الله أو غيره عن التعطيل، وأن تقتنع بأن ليس هناك غير الدولة تحمي الجميع، وأن يكون القرار الأمني والسياسي والعسكري بيد الدولة اللبنانية. ولا شك في أن هذه العملية رفعت من أسهم الجيش بصورة كبيرة وثبتت قدرته على حفظ الأمن لا سيما المداهمات التي قام بها في حي الشراونة والهرمل أي المناطق التي تعتبر معاقل أمنية لحزب الله”.

ويشير الى أن “هذا يدل على أن الجيش اليوم هو الملاذ الأخير للبنانيين، ولا شك في أن هذه العملية زادت من رصيد قائد الجيش جوزيف عون، الذي له رصيد قوي اليوم لدى كل الأطراف الداخلية والخارجية وعززت حظوظه في الوصول الى رئاسة الجمهورية كمرشح حيادي ورجل مؤسسات ورجل دولة بامتياز”.

ويلفت الى أن “قائد الجيش كان قبل هذه الحادثة تقريباً الشخصية الأكثر اجماعاً عليها لتكون في رئاسة الجمهورية اذا وضعنا الموقف الفرنسي جانباً والذي كان يجاري حزب الله، بينما الموقف الأميركي والعربي يميل الى قائد الجيش لأنه شخصية موثوقة، مؤسساتية بامتياز، ونجح الى أقصى الحدود في دوره على رأس المؤسسة العسكرية خلال السنوات الست الماضية، وقد تكون هذه الحادثة عززت حظوظه أو زادت القناعات الاقليمية والدولية بضرورة أن يأتي الى سدة رئاسة الجمهورية”.

شارك المقال