الابداع العنصري للتيار العوني

عالية منصور

ليس سهلاً أن تنتمي للتيار الوطني الحر. تشعر أن نواب ومسؤولي التيار في منافسة شديدة بين بعضهم البعض، من يصدر أكثر تصريح طائفي؟ من يدعو لأكثر الممارسات عنصرية؟ والرابح يفوز برضى رئيس التيار ويحظى بالقرب منه.

هناك نوع من “الإبداع” و”الابتكار”، فكلما قرأت تصريحاً لهم تذكرت مشهداً من فيلم “عازف البيانو” للمخرج رومان بولانيسكي، وتساءلت إن شاهدوا الفيلم أو قرأوا عن النازية، وانتظرت أن يخرج أحدهم ليطالب بوضع شارة على ذراع كل آخر لا يشبههم بالانتماء، وتحديداً الآخر المسلم السوري والمسلم الفلسطيني.

للدقة لا بد من القول إنهم ليسوا أقل عداوة للبناني “الآخر” الذي يختلف معهم سياسياً، فهل سبق لوزير في العالم أن صرح أنه يخاف النوم في منطقة بسبب وجود أهالٍ من غير طائفة؟ أو سبق لمسؤول أن وصف شريكه في الوطن الذي ينتمي لطائفة أخرى بأبشع الأوصاف كتلك التي صدرت عن أعلى المراجع في التيار؟ أو لنائب علق على حرائق اندلعت في غابات لبنان بسبب الحرارة والإهمال بوضع علامات استفهام “كبيرة جدًا” حول كيف أن الحرائق لم تطل سوى “مناطق مسيحية” تحديدًا.

قبل يومين تقدم النائب في كتلة لبنان القوي والتيار الوطني الحرّ، التي يترأسها جبران باسيل جورج عطاالله باقتراح قانون يستثني ذوي ضحايا تفجير المرفأ غير اللبنانيين من التعويضات المقرّرة قانوناً لجميع الضّحايا. تذرّع عطاالله بأنه يفترض أن يكون غير اللبنانيين مؤمنين على حياتهم وأن بإمكان ذويهم الاستفادة من التأمين، طبعاً ولم ينس عطاالله أن يصرح بعدها أن اقتراحه غير عنصري.

هكذا اقتراحات لم تعد تلقى ردود فعل غاضبة ومستنكرة بقدر ما باتت تلقى ردودًا ساخرة. فقبل أشهر مثلًا شن ناشطون ومسؤولون في التيار حملة تطالب بعدم إعطاء “الطعم المضاد للكورونا” لغير اللبنانيين المقيمين في لبنان، في إشارة واضحة إلى اللاجئين السوريين والفلسطينيين، أو “الغرباء” كما أسماهم الناشط السياسي في التيار، ناجي حايك، الذي دعا إلى عدم توفير اللقاح لهم إلا مقابل دفعهم بدلاً مالياً، زاعماً أنّه “لا يوجد بلد في العالم يسمح بتلقيح أي شخص موجود على أرضه قبل المواطن”. وهو بالطبع أمر غير صحيح ولا يمت لا لأصول الوقاية الصحية ولا للاتفاق الموقع مع البنك الدولي والذي على أساسها تم منح لبنان 34 مليون دولار لمساعدته في شراء اللقاحات بأي صلة.

ومع ذلك اقترح يومها المحامي وديع عقل، عضو المكتب السياسي في التيار الوطني الحر، أن يتم توفير اللقاح للمواطن اللبناني مقابل أن يدفع غير اللبناني ثمن اللقاح نقداً وبالدولار الأميركي من أجل تأمين عدد أكبر من اللقاحات للبنانيين حصراً.

قد تكون هذه التصريحات مستفزة، ولكنها في الحقيقة مدعاة للسخرية، لأن أي إنسان مطلع على مجريات الأمور ولو قليلاً يعرف أن هذه التصريحات هي لشد العصب المذهبي وهي غير قابلة للتطبيق، ليس بسبب الحس الإنساني الرفيع عند مسؤولي العهد، بل لأن الاتفاقات الدولية والقانون الدولي يمنعهم من ممارسة هذا الفصل العنصري الفج والأشبه بما حصل في العالم قبيل الحرب العالمية الثانية.

مزيج العنصرية والطائفية تجلى بأوضح أشكاله عندما تقدم رئيس التيار جبران باسيل بمشروع قانون يجيز للمرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني حق منحها الجنسية اللبنانية لأولادها باستثناء دول الجوار للبنان (اي سوريا وفلسطين) منعا للتوطين، ووفقاً لمشروعه المقدم ما يمنع عن المرأة يمنع عن الرجل باستثناء هذه الدول. أي وبمعنى آخر، كما قيل يومها هو لا يريد تجنيس أبناء المرأة اللبنانية أو حتى الرجل اللبناني إن كانا من المسلمين.

مؤخراً ظهرت منسّقة الإعلام في التيار الوطني الحر رندلى جبّور على إحدى الشاشات ولم تجد أسلوباً للدفاع عن منصب رئيس الجمهورية الا بالمجاهرة بـ “أكلونا الإسلام”، في إشارة منها إلى صلاحيات رئيس الحكومة المكلف.

لو نظرنا إلى هذه التصريحات والمواقف فقط كمواقف صادرة عن التيار ونوابه ومسؤوليه لكان بالإمكان الاكتفاء بالسخرية، ولكن ما يثير القلق أنهم وبهذه التصريحات والمواقف ينجحون بكثير من الأحيان بشد عصب جمهور مقتنع أنهم متفوقون عرقياً على غيرهم، والأبشع من ذلك أن بعض خصومهم بات يلجأ إلى الأسلوب ذاته لمنافستهم عله يكسب تأييداً في الوسط الذي يمثله التيار.

هذا الخطاب وإن كان في أغلب الأوقات غير قابل للتطبيق بسبب القوانين الدولية، إلا أنه مؤسف ومقلق لأنه بات يمثل شريحة لا بأس بها، ومع اشتداد الأزمة التي يعيشها لبنان، فإن هذه الشريحة التي تلقي بالمسؤولية كل المسؤولية على “الغرباء” آخذة بالاتساع، طالما أنها تعفي زعيمها من أي مسؤولية.

شارك المقال