لم تغب فضيحة سفير لبنان في فرنسا رامي عدوان عن أذهان اللبنانيين منذ أيام، فهو متهم بقضايا إغتصاب وممارسة العنف عقب تقديم موظفتين سابقتين في السفارة اللبنانية هناك شكوى رسمية ضده. ومن بعد “الدف” الذي حمله ورقص على أنغامه من يُبرئ سفيراً لا يمثل الصورة الأخلاقية والانسانية لبلده لبنان، ومُسطر بحقه قضايا إغتصاب وعنف؟ وما حدث معه ليس جديداً اذ سبق أن واجه قضية أخلاقية مماثلة حين كان موظفاً في سفارة لبنان في هولندا، وعلى الرغم من الشكاوى والدعاوى بحقه عيّنه جبران باسيل عندما كان وزيراً للخارجية، سفيراً في باريس. ومن ينسى أن عدوان كان مديراً لمكتب من إتهم بفضيحة “كارولين” الشهيرة؟
ووفق العلاقات الديبلوماسية فان حصانة عدوان حمته من الملاحقة القضائية الفرنسية، اذ رفضت وزارة الخارجية اللبنانية تجريده من هذه الحصانة التي يتمتع بها خارج الأراضي اللبنانية وأرادت محاكمته وملاحقته في بلده كونه مواطناً لبنانياً. وفور وصوله الى بيروت سيتابع ملفه داخلياً ويتم الاستماع اليه في حال تبلغ القضاء اللبناني أي ملف قضائي فرنسي لكن محاكمته مسلكياً لا مفر منها.
ومن هنا جملة تساؤلات تُطرح، لماذا فتح ملفه في هذا التوقيت تحديداً؟ وكونه من خارج الملاك فأي جهة تأديبية تحاكمه وتحاسبه ادارياً؟ ومن هي الجهة المولجة اليوم بالتحقيق معه؟ وكيف سيتحرك القضاء اللبناني خصوصاً وأن ليست هناك دعوى لبنانية بحقه بعد؟ وهل سيحاسب أم ستلفلف قضيته نتيجة علاقته مع باسيل؟
في هذا السياق، أكدت أوساط مطلعة على الملف أن “هناك جهة إفتعلت كل هذه الضجة، وفرنسا أرادت تقديم رسائل لباسيل من خلال هذا الاجراء بالاضافة الى وجود فريق داخلي مقرّب من باسيل لديه مصلحة في الجلوس مكان عدوان ولهذا السبب قاموا بفتح هذا الملف وذهبوا فيه الى أبعد حدود”.
وقال المحامي لؤي غندور في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “في كل العلاقات الديبلوماسية عبر الدول ليست هناك دولة رفعت الحصانة عن سفيرها بسبب فعل قام به الا في القضايا الكبرى كالعمالة، لأن هذه الأمور متعلقة بالسيادة”. وأوضح أن عدوان “عندما كان مديراً لمكتب باسيل حاول الأخير نقله الى باريس، لكنه كان من ضمن الفئة الثالثة وعجز باسيل عن رفعه درجتين الى الفئة الأولى مباشرة وهذا لا يخوّله أن يكون سفيراً في هذه الحالة، لكنه قدم إستقالته ولم يعد من ضمن الملاك وذهب سفيراً من خارج الملاك وتم تعيينه في فرنسا لأنها قبلت أوراق إعتماده، خصوصاً وأن تعيين السفير مهمة العقد أو الاتفاق بين الدولتين، الدولة المرسلة من جهة، والدولة التي تقبل إعتماده من جهة أخرى وفي حال لم تتوافقا لا يعتمد سفيراً في الدولة”.
ولفت الى أن “الدولة اللبنانية لم تتلقَ بعد أي تبليغ رسمي قضائي من فرنسا واكتفت هذه الشكاوى على حد قولهم بأنه قام بهذه الأفعال ويجب رفع الحصانة عنه، والدولة اللبنانية استدعته لاستحالة استمراره في مهامه، واستدعاؤه يجعل القضاء يحاكمه بكل بساطة وتجري ملاحقته تأديبياً كموظف عام، وجزائياً بالجرم الذي اقترفه اذا جاء الملف القضائي من فرنسا، ويمكن أن لا يأتي هذا الملف وفي كل الحالات تأديبياً سيلاحق لأنه قام بكارثة”.
وأشار الى أن “السفير من خارج الملاك عندما يستدعى يبقى كسفير هنا، ويلاحق تأديبياً ويسري عليه قانون الموظفين وكل الهيئات الرقابية والمجالس التأديبية، وجزائياً هو مماثل أاي مواطن لبناني لأنه لا يملك حصانة في بلده، والديبلوماسي لا حصانة له في بلده بل خارجها”.
وحول عدم وجود دعاوى بحقه لبنانياً، أكد غندور أن “عدوان نتيجة الاعلان عن فضيحته التأديبية سيحال على المجلس التأديبي، وجزائياً لا تجري ملاحقته في لبنان الا اذا أرسلت فرنسا اما طلب استرداد من القضاء الفرنسي أنهم يريدون عدوان لمحاكمته في فرنسا لأنه قام بكل هذه الأفعال، وهنا الدولة اللبنانية تطلب ملف الاسترداد لأن الدولة لا تسلم رعاياها لتحاكمها في لبنان، والحل الثاني أمام فرنسا أنها تطلب المساعدة القضائية مثلما حدث مع رياض سلامة، وبالتالي يأتي قاضٍ فرنسي ويجتمع بحضور قاضٍ لبناني كشاهد والقضاء اللبناني يحاكمه. وبالتالي أرى أن لا مهرب من محاكمة عدوان قضائياً الا اذا لم ترسل فرنسا طلب المساعدة ولا طلب استرداد ولها الحق في القيام بهذين الاجراءين فقط”.
وفي حال لم يتسلم لبنان أي ملف قضائي فرنسي، أوضح غندور أنه “يلاحق تأديبياً كموظف وننتطر انتخاب رئيس الجمهورية المقبل لأن السفراء من خارج الملاك عندما تتغيير العهود يتغيرون”، معتبراً أن “القضاء اللبناني لم يحدث لديه شيء على الأراضي اللبنانية ليتحرك على أساسه، والمعاقبة المسلكية واقعة لا محالة”.
وحول الجهة المولجة بالتحقيق معه، شدد على أن “هناك مديرية تفتيش ومديرها السفير هادي هاشم في باريس مع الأمين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي لاجراء تحقيق في الموضوع، والتفتيش يضع يده على الموضوع ويقترح تحويله على الهيئة العليا للتأديب”.
وعن درجة العقوبة التي ستصدر بحقه، لفت الى أن “عدوان سيحاكم بحسب القانون اللبناني وقبل إكتمال التحقيقات معه والكشف عن تفاصيل القضية لا يمكننا معرفة درجة العقوبة التي ستُسطر بحقه”.
أما المحامي مجد حرب فأكد أن “الاجراءات التي قامت بها وزارة الخارجية موجودة في العرف الديبلوماسي ومعتمدة في العلاقات الدولية، وللأسف ستتم محاسبته في بلد من عيّنوه هم أنفسهم من عينوا القضاة الذين سيحاسبونه والجهة نفسها من عينّت وزير الخارجية الحالي، والجرائم المتهم بها لم يصدر حكم بحقه وبالتالي هو بريء حتى إثبات العكس. ولكن في الجرائم المتهم بها لا تكفي العقوبة المسلكية التي من الممكن أن تصدر بحقه، فهذه جرائم جزائية خطيرة ومن ناحية أخرى أخلاقية تضر بصورة لبنان بمنحى سيء ونفتح باباً جديداً اضافياً عن الفساد والصفقات والسلاح، وليس غريباً على هذا السفير كل هذه التهم ولا أستبعد قيامه بها كلها”.
وتمنى حرب على القضاء اللبناني “أن يأخذ الاجراءات اللازمة بحقه وأن لا يقتصر الموضوع على العقوبة المسلكية لأن الادعاء على سفير دولة في دولة أجنبية ليس سهلاً”.