مصادر كنسية لـ” لبنان الكبير”: أجواء الفاتيكان إيجابية والعبرة في التنفيذ

هيام طوق
هيام طوق

غادر القادة الروحيون إلى الفاتيكان وفي جعبتهم الكثير من الألم على ما وصل إليه الوضع اللبناني، وعادوا وفي جعبتهم الكثير الكثير من الأمل الذي استمدوه من قداسة البابا فرنسيس، إذ لمسوا منه اهتمامه الشديد بمصير لبنان، وأنه يأخذ القضية اللبنانية على عاتقه، ويعتبرها  أمانة في عنقه، ويضع لبنان في قلبه كما يشعر بآلام الشعب اللبناني الذي يتألم لحاله.

وما جاء على لسان البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أنه رأى “البابا فرنسيس مصمماً، ووضع القضية اللبنانية نصب عينيه وسيستمر بدوره، والفاتيكان ما بيمشي على العمياني إنما يفكّر ويعمل بطريقته الدبلوماسية”، يؤكد المؤكد أن الفاتيكان يقوم بكل ما أمكن من خلال ديبلوماسيته ومن خلال سفرائه في العالم لانقاذ لبنان بعد أن تخلى المسؤولون اللبنانيون عن القيام بدورهم.

وتوضح مصادر كنسية لـ” لبنان الكبير” أن الفاتيكان لم  ينتظر اللقاء الروحي في الأول من تموز الجاري  ليبدأ اتصالاته بقادة الدول الكبرى، بل بدأ بتحريك الملف السياسي والاقتصادي منذ فترة من خلال اتصالاته ولقاءاته مع كبار المسؤولين، البعض منها معلن والبعض الآخر غير معلن خصوصاً وأن استراتيجية الفاتيكان تقضي العمل بسرية وصولاً إلى الحل وإعلانه.  وأن أجواء الحبر الاعظم الخائف جداً على مصير لبنان، فيها الكثير من الأمل والرجاء والإيمان بأن لبنان بعد جلجلة العذاب سيصل إلى القيامة خصوصاً وأنه يتلقى وعوداً بمساعدة “وطن الرسالة” بعد أن تبين أنه غير قادرعلى القيام بنفسه، لكن في نهاية المطاف تبقى العبرة في التنفيذ. ويشدد المصدر على ضرورة الاتفاق بين المسؤولين لإيجاد الحلول لأن قداسة البابا لن يشكل حكومة، ولن يتدخل في الشؤون التفصلية.

ومن يراقب مواقف البطريرك الراعي الأخيرة بعد عودته من الفاتيكان، والذي كرر دعوته إلى “الحياد الإيجابي الناشط وإلى مؤتمر دولي يخرج لبنان من أزمته المصيرية”، يعني أن رأس الكنيسة المارونية تلقى دعماً بابوياً لمواقفه بحسب المصدر الذي لفت إلى أن البابا صار مقتنعاً بأن لا خلاص للبنان إلا بالحياد وبمؤتمر دولي، رغم أن الحبر الأعظم لم يتحدث في هذه القضايا في كلمته في ختام يوم الصلاة في الفاتيكان، لأنه يعرف تماماً أن ليس هناك من إجماع لبناني حول طرح البطريرك الماروني، وأن الأمور ستطبخ على نار هادئة بعيداً عن الضجيج الإعلامي، وأن الديبلوماسية الفاتيكانية ستبدأ بحراك لحث الدول المؤثرة على السير بهذين الطرحين.

ويضع المصدر، سعي البطريرك الراعي مجدداً إلى جمع المسؤولين من أجل تشكيل الحكومة، في نطاق حث قداسة البابا، البطاركة والقادة الروحيين على بذل كل مجهود لتقريب وجهات النظر بين اللبنانيين، وعلى  لعب دورهم في الوساطة ومد الجسور بين الأطراف لتحقيق السلام المنشود لبلد الأرز والطمأنينة لشعبه، رغم أن البطريرك الراعي قام بما أمكن لتسهيل التأليف، إلا أنه لم يلقَ آذاناً صاغية، على أمل أن يتلقف المسؤولون دعوة قداسة البابا في وضع مصالحهم الخاصة جانباً والعمل للمصلحة العامة مع العلم أن الثقة بالممسكين بالسلطة باتت مفقودة إن كان على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي.

رحمة: على المسؤولين التوبة والتعويض عن أفعالهم السيئة

وتحدث راعي أبرشية ​بعلبك​ ​دير الأحمر​ المارونية ​المطران حنا رحمة عن “وثائق وتقارير قدمت للبابا فرنسيس الذي لديه إلمام شامل في القضية اللبنانية المهمة جداً لأنها تتمحور حول مصير بلد الرسالة والعيش السلمي المشترك، وبات ضرورياً انقاذ هذا النموذج. لذلك، البابا يدافع عن هذه الصيغة وعن هذه الرسالة التي لا يعرف قيمتها الكثيرون في الداخل اللبناني كما يعرفها البابا الذي دعا الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه هذا الوطن إن كانوا على المستوى اللبناني أو على المستوى الخارجي”.

وأكد أن ” التقارير التي قدمها البطاركة لقداسة البابا، مهمة جداً لأنها صنعت من عصارة المرحلة الحالية”، مشدداً على أن “الكنيسة لا تفكر بأنانية بل بالإنسان ككل والإنسان اللبناني بشكل خاص”.

ولفت إلى أن ” لبنان منهوب وليس منكوباً، وهذا ما اعترف به كبار المسؤولين، والصندوق فارغ والشعب مهدد بالمجاعة وبالأوبئة، لذلك يريد البابا أن يتساعد الجميع لإنقاذ لبنان”.

وتحدث عن أهمية الحياد بالنسبة للبنان “وهذا لا يعني أن نتخلى عن كرامتنا وقيمنا والدفاع عن أرضنا وهويتنا، بل الحياد هو قوة فاعلة للبلد حيث يلعب دور الوساطة بين الشعوب وليس دور المحور، لأن لبنان يجب أن يكون واحة سلام وحوار، وحضارة نموذجية للعيش السلمي، وهذه هي قوة لبنان المعنوية الفعلية”.

وأشار إلى أن “الناس انتخبوا أشخاصاً اعتبروهم محط ثقة، ورأوا فيهم خشبة خلاص للبلد، لكن للأسف تبين أنهم باعوا البلد، وتاجروا بإسمه، وهم ليسوا مخلصين لوطنهم، وهذا شيء خطير، لكن رغم كل شيء إيماننا كبير أنه بعد كل هذا الألم سيكون هناك خلاص للبنان ولشعبه المتألم والمظلوم والمقهور”، متمنياً على “السياسيين الذين سرقوا ونهبوا وأوصلوا البلاد إلى هذا الوضع أن يتوبوا ويعوّضوا عن أفعالهم السيئة”.

ولفت رحمة إلى أن “التواصل دائم بين البطريرك الراعي ورجال الدين المسلمين، وما جرى في الفاتيكان ليس سرياً. وإذا كان قداسة البابا اجتمع مع القادة الروحيين المسيحيين، هذا لا يعني أنه أخذ طرفاً بل بالعكس تماماً لأن هاجس البابا اليوم إنقاذ لبنان والحفاظ على صيغته وعلى عيشه المشترك”.

وتوجه إلى بعض المسؤولين السياسيين المسيحيين الذين يقللون من أهمية التحرك البابوي تجاه لبنان، بالقول: “لو كنتم مسيحيين، كان من المفترض أن لا يكون لديكم كراهية وحقد، وأن لا تتجهوا نحو السرقات والصفقات وخيانة لبنان. سينتهي دوركم  شاء من شاء وأبى من أبى لأن الله هو الذي يسير أمور الكون وليس أنتم”.

 مظلوم: على المسؤولين تحمل مسؤولياتهم

ونقل النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم “الأجواء الجيدة والإيجابية في الفاتيكان، إذ إن الكل أعطوا رأيهم، والبابا تحدث بأمور عميقة وحقيقية مثل ضرورة العمل من أجل السلام وقبول الآخر والاعتراف بحقوق الناس”، مؤكداً أن “البابا يحمل القضية اللبنانية في قلبه ويأخذها بجدية تامة، ووضع كل ثقله لإنجاح مهامه، والديبلوماسية في الفاتيكان تقوم بالتواصل مع الدول خصوصاً المؤثرة منها”.

وعما إذا كان البابا سيدعو قادة سياسيين أو روحيين مسلمين للاجتماع معه، أشار مظلوم إلى أنه “لم يتم التطرق لهذا الموضوع حالياً، لكن البابا لن يتأخر بالقيام بكل ما بوسعه للإنقاذ، ويبقى الأهم من كل هذا، أنه على المسؤولين اللبنانيين، تحمل مسؤولياتهم وإيجاد الحلول، لأنه لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه”.

وأكد أن “الاتصالات بين الفاتيكان والدول المؤثرة قائمة بشكل مستمر”، مشيراً إلى أن “البطريرك الراعي يقوم بكل ما هو مفيد في هذه المرحلة إن كان مع المسؤولين السياسيين أو مع المسؤولين الدينيين من كل الطوائف، وبعد اللقاء مع البابا، أخذ على عاتقه متابعة الأمور مع المسؤولين، على أمل أن يلقى تجاوباً”، مشدداً على أن “العقدة ليست عند البطريرك وليست عند البابا إنما عند المسؤولين”.

وأمل أن “يكون كلام البابا له تأثيره في نفوس من هم في السلطة، وليتحملوا مسؤولياتهم، ولا ينتظرون قداسة البابا أو البطريرك لحثهم على القيام بواجباتهم”.

شارك المقال