تعميم وتكميم وتعتيم: مأزق فلسطيني أخلاقي

زاهر أبو حمدة

تزامناً مع معركة “سيف القدس” ظهرت حالة إقصائية الغائية مضادة، غير مبرمجة حزبياً بقدر ما أنها أفكار تتصارع ومفاهيم غير ناضجة. وهكذا أصبح التعميم سمة في التخوين. في الأصل، من يملك معياراً واضحاً لمن هو خائن ما لم تثبت عليه صفة العمالة العملية مع الشاباك أو  الموساد؟

ولتوضيح أمر التعميم، نلحظ أن جزءاً استغل فورة “سيف القدس” لاتهام من لا يوافقه الرأي بالخيانة. يعني إذا كنت لا تؤمن بالصواريخ طريقاً لتحرير فلسطين، كل فلسطين، فعليك علامات استفهام ويجب فحص الوطنية بدمك! وإذا كنت تؤمن بـ”الدولة الواحدة”، فعليك مراجعة طبيب مسالك قومية! هذا هراء، ويندرج في إطار “الإرهاب الفكري” وفرض الرأي على الآخرين. الأمر ليس بالصوت العالي، إنما بطرح فكرتك ومحاولة إقناع الآخرين بها بالتجربة وإسناد ذلك بالأدلة والبراهين والحجج المتينة. هذه الفئة الاستعلائية من الشعب الفلسطيني، أطلقت مصطلحات تصف السلطة الفلسطينية بـ”جيش لحد” وأن حركة “فتح” جواسيس. بالله عليكم هذا التعميم منطقي؟ هل الأسير المضرب عن الطعام الفتحاوي الغضنفر أبو عطوان، جاسوس؟ أو  شهيدا الاستخبارات الفلسطينية (أدهم عليوي وتيسير عيسة) في جنين قبل شهر؛ خائنان؟

وبعد التعميم، تظهر حالة التكميم. يمنعون صوت العقل من أن يصدح. ممنوع أن نقول لهم ما تفعلونه خطأ ويؤدي إلى حرب أهلية. حالة من التيه الفلسطيني تتحمل النخبة السياسية المسؤولية تماماً عنها. تبدأ بتأجيل الانتخابات العامة وعدم خوض معركة مع الاحتلال لأجل إجرائها في القدس، ومن ثم فشل الحوار الفلسطيني في القاهرة. وبعدها بعدم تحمل الحكومة مسؤوليتها التامة بحادثة استشهاد نزار بنات، وما تبعها من اعتقالات للمتظاهرين والتنكيل بهم.

للأسف، أصبح الحديث بالشأن الفلسطيني مرهقاً جداً ومخجلاً كثيراً. فالحوار يتحول إلى سجال، والجميع ينتظر الجميع على خطأ. والمثقفون العقلاء إذا ما تغيبوا عن المشهد تحولوا إلى محرضين. والأهم هو تعتيم وسائل الإعلام الفلسطينية وبعض العربية للأصوات الوحدوية المنادية بالقيم وليس بالحزبية المريضة. وكأن هناك من يريد رفع منسوب التوتر لتكون الكارثة الكبرى.

للأسف، الشعب الفلسطيني في مأزق أخلاقي قبل المأزق السياسي. لا يوجد أي محددات أو  معايير تجمع الكل الفلسطيني، وهذا يتحمل مسؤوليته الجميع وليس طرفاً محدداً.

شارك المقال