أفغانستان مسرح للفوضى والمنطقة إلى مزيد من العنف

حسناء بو حرفوش

تساءل موقع أجنبي عن تبعات الانسحاب الأميركي التدريجي من منطقة الشرق الأوسط، متخوفاً من تصاعد درجات العنف خصوصاً في المحيط الأفغاني وتبعاته الجيوسياسة. وبحسب المقال الذي نشر على الصفحة الانكليزية لموقع “جاكرتا بوست” (thejakartapost)، “يستعد العالم لمواجهة المزيد من عدم اليقين والعنف المحتمل في الشرق الأوسط مع انسحاب كل قوات الولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان الشهر الجاري. وتسود المنطقة حالة كبيرة من عدم الاستقرار تتخطى، على ما يبدو ما كان الوضع عليه عندما أطلقت الولايات المتحدة “حربها على الإرهاب” في العام 2001، وقامت بقصف كابول واحتلال أفغانستان كجزء منها.

لقد خضع المشهد الجيوسياسي للكثير من التغيرات وبات أكثر تعقيدًا الآن، مع دخول المزيد من الدول واللاعبين من خارج المنطقة، والذين يقاتلون من أجل تعزيز مصالحهم.  كانت المنطقة تمثل عالماً أحادي القطب قبل 20 عاماً، وتغير الوضع عندما شن الرئيس الأميركي جورج بوش الحرب في أفغانستان. وبعدما غزت الولايات المتحدة بثقة مفرطة أفغانستان، اجتاحت العراق بعدها بعامين، في محاولة لإرساء أنظمة صديقة في تلك البلدان وبالتالي، إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط الغني بالنفط.

بالنتيجة، لم تتعرض القوة العسكرية الأميركية فقط لتقليص في الحجم في أعقاب الحربين المستعصيتين، ولكن المنطقة شهدت بدورها ظهور لاعبين إقليميين جدد وتحديداً إيران وعودة القوى الكبرى مثل روسيا والصين. أضف إلى ذلك، أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كان موجوداً أيضاً في المنطقة قبل هزيمته العام الماضي، وسعى لإنشاء دولة جديدة على طول الحدود العراقية والسورية. وفي المقلب الآخر، بدلاً من القضاء عليها من قبل القوات الأميركية (…)، أعادت حركة طالبان تجميع صفوفها وانتزعت من من الجيش الأفغاني الذي دربته الولايات المتحدة السيطرة على الأراضي الشمالية. وتنتظر طالبان ببساطة أن تكمل الولايات المتحدة انسحابها قبل التوجه إلى كابول.

أسباب واضحة للانسحاب

طبعاً للرئيس الأميركي جو بايدن أسبابه لسحب القوات الأميركية من أفغانستان وتحديداً قبل الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية. فمن ناحية، فقدت الحرب التأييد الشعبي الذي كانت تحظى به. وأفادت دراسة لجامعة براون أن تكاليف الحرب الأميركية في أفغانستان تجاوزت التريليون دولار أميركي، حيث قتل أكثر من ألفي جندي أميركي وجرح حوالي 20 ألفاً، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية. لقد آن الأوان لأن تعترف الولايات المتحدة بالهزيمة وتضع حداً لخسائرها. في غضون ذلك، لم يتوقف الخطاب السياسي الأميركي عند ذكر الوفيات في صفوف السكان الأفغان والتي تخطت الـ 250 ألف شخص.

خلال إنسحاب دفعة من عناصر الجيش الأميركي من أفغانستان

تخمين يبرهن قريبا

الحقيقة أن ما ينتظر أفغانستان ومنطقة الشرق الأوسط بعد الانسحاب الأميركي لا يعدو كونه تخمينات، لكن التجربة القريبة ستبرهن النتيجة بما يكفي. ولا يمكن لواشنطن غسل يديها من الفوضى التي خلقتها وتخلفها وراءها هكذا بكل بساطة. كما لا ينبغي التفكير بإرسال القوات إلى أفغانستان. فالولايات المتحدة لم تعد القوة العظمى كما في السابق. كما برهنت التجربة أنه لا يمكن بناء السلام في الشرق الأوسط إلا من خلال مفاوضات تشمل جميع القوى الكبرى الأخرى بالإضافة إلى الدول الإقليمية.

يجب أن تشكل الهزيمتان المتتاليتان للولايات المتحدة في العراق وأفغانستان تجربة متواضعة، تنبع منها العبرة الرئيسية التي يجب أن تعلق في أذهان المسؤولين الذين يديرون البيت الأبيض والبنتاغون وهي أن تغيير النظام بالقوة هو مهمة مستحيلة. وتكلف هذه المهمة الكثير من المال وتزهق العديد من الأرواح، وعندما تخسر حتماً، فمن المحتمل أن تخلف فوضى أكبر بكثير مما كان عليه الوضع في البداية. في هذه الحالة، قد يبقى أفضل رهان هو العمل مع القوى الموجودة في تلك البلدان للمساعدة في بناء مجتمع مدني قوي. ومن بعدها، يمكن السعي للانتقال نحو مجتمع أكثر حرية وديمقراطية لأن هذا يجب أن يصب في مصلحة البلدان الخاصة، وليس لأنه يخدم أهداف أميركا الجيوسياسية.

شارك المقال