عباءة الحزب… عدالة القضاء

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

منذ أيام قليلة تجرأ قاضي التحقيق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق بيطار وأصدر قراراً ادعى بموجبه، على كل من كان يعلم بوجود شحنة الموت ولم يتحرك لحماية بيروت وأرواح اللبنانيين، فظهر مرشد الجمهورية العونية على الفور ليعلن رفض “الاستهداف السياسي” وإغلاق التحقيق لمنع كشف الحقيقة وإحقاق العدالة لأرواح أكثر من 200 روح بريئة وتدمير العاصمة التي بنيت بـ”طلوع الروح”، من أجل حماية اللواء عباس ابراهيم الذي ما إن جرى الإعلان عن طلب رفع الحصانات وجلب مسؤولين للتحقيق معهم حتى بادر نصر الله إلى رفع الورقة الحمراء بوجه العدالة، مع رسالة مسبوقة من قبل وزير الداخلية محمد فهمي الذي رفض طلب الإذن الذي تقدم به القاضي للتحقيق مع مدير عام الأمن العام.

وقال نصر الله: “سبق أن طالبنا المحقق العدلي بنشر التحقيق التقني لنعرف سبب هذه ‏الجريمة، وما الذي تسبب بهذا الانفجار الكبير، ولنعرف هل توجد وحدة معايير ‏وهل يوجد أي استهداف سياسي‎”.

ومباشرة تبين أن حزب الله يريد حماية ابراهيم فجاءت حملة “محبي اللواء” الإعلانية

وكأنها تحذير للقضاء شبيه بالرسالة السابقة التي وصلت إلى القاضي فادي صوان الذي كلف بالتحقيق في جريمة تفجير المرفأ فكان نصيبه قطة مذبوحة على باب منزله، وأدى إلى إقصائه عن التحقيق بعد يومين من خطاب لنصر الله ألقاه في 16 شباط 2021، ورفض خلاله اتهامات طالت “حزب الله” في جريمة اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم وتفجير المرفأ. وأعلن أن التحقيق انتهى في التفجير وكان هذا الموقف مقدّمة لتنحية صوّان عن القضية كونه تجاوز المسموح في السياسة  أثناء تحقيقاته وتوجيه الاتهام إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء بالإهمال. من بينهم يوسف فنيانوس، حليف الحزب الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لصلته بالحزب الذي صنفته منظمة إرهابية.

الحملة الإعلانية لحماية ابراهيم، انتشرت في كل البلاد وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الناس أثارت الشبهة حولها، فمن يملك القدرة على مثل هذه الحملة سوى “حزب الله”، الذي يعتبر أن ابراهيم مرشحه لخلافة الرئيس نبيه بري في رئاسة المجلس النيابي، وهو أمر لا يختلف عليه إثنان في لبنان، وهو الذي أنقذ “حزب الله” من ورطات عديدة وغطى على أعماله الأمنية ولا يزال كما يقول البعض، لافتين إلى نقل العناصر الداعشية بالباصات المكيفة من جرود عرسال، وكأن شيئاً لم يكن من أحداث عاشتها المنطقة ودفع الجيش ثمنها شهداء وجرحى وخطفاً وقتلاً.

وكان لافتاً ما تردد إعلاميا من أن “أنبل الرجال” حسبما وصف في الحملة الإعلانية لن يمثل أمام القاضي بيطار كمدعى عليه إلا بعد الحصول على ضمانات مسبقة!

فكيف يرفض الإنسان النبيل أن تتحقق العدالة أو أن يكون معيقاً لتحقيقها؟ وإذا كان رجل الأمن والمؤسسة لا يثق بالقضاء اللبناني فمن سيثق بكونه يحمي أمن لبنان واللبنانيين لا أمن غيرهم.

وكان واضحاً في خطاب نصر الله الأخير تغطية ابراهيم من خلال رمي القضاء اللبناني بسهام جديدة رفضه خضوع ابراهيم للتحقيق وهو الذي روج منذ اللحظات الأولى لانفجار المرفأ لنظرية “بو عديسية” أخرى تقول إن التفجير كان بسبب اشتعال المفرقعات النارية الناتجة عن تلحيم باب.

إقرأ أيضاً: وثيقة: المرفأ يخسر “نجم” والجمارك إلى ما قبل ١٩٩٧

وفي عودة إلى بداية التحقيقات بتفجير المرفأ لم يكن “حزب الله” مرتاحاً على الإطلاق، لا سيما عندما قدم المحامي العام التمييزي في لبنان غسان خوري لائحة اتهام بحق مسؤولي جمارك حاليين وسابقين، أحدهم رجل “حزب الله” بالميناء، مدير إقليم بيروت في الجمارك بالإنابة سابقاً، موسى هزيمة، الذي كان في المرفأ حين تم تخزين “الأمونيوم”.

منذ اللحظات الأولى للانفجار، كان استبعاد “حزب الله” لنظرية أن تكون إسرائيل قد قصفت المرفأ مثيراً للريبة، إذ ربما كان للتغطية على فشله في مواجهتها، وحتى لا يطالب برد عليها ربما وتكشف كذبة مقاومته المقنعة لاحتلال إيران لبنان، فكما أورد البعض كان هناك مخازن أسلحة وصواريخ للحزب في ميناء بيروت ومواد متفجرة يستخدمها نظام بشار الآسد في براميله المتفجرة التي كان يلقيها على مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية.

وقد تعامل الحزب مع تحقيقات المرفأ بحساسية غير مسبوقة في تعاطيه مع الملفات، إذ بدا متوتراً واتضح في خطوة اتخذها ليست مألوفة وكانت مفاجئة في توقيتها ومضمونها، إذ عمد إلى رفع دعوى ضد كل من اتهمه بانفجار المرفأ بالمباشر أو بغير المباشر، وادعى على الوزير السابق أشرف ريفي والنائب السابق فارس سعيد وموقع “القوات اللبنانية”، ولجأ للمرة الأولى إلى القضاء اللبناني، مستبقاً في الوقت نفسه قرار القضاء في موضوع الانفجار.

لا شك أن مسار التحقيقات في جريمة المرفأ اليوم قد وضعت على سكة صحيحة وقد تسمح للقاضي بيطار الاستعانة بخبرات دولية لتحديد بعض الأمور التقنية التي تساعد في كشف الحقائق وتلجم ضغوط “حزب الله” أو غيره على القضاء والتهرب من المسؤولية لحماية فلان أو علان من الطائفة، صحيح أن طريق العدالة ليس مساراً سهلاً في لبنان، فالمعيقات السياسية والأمنية كثيرة ولكن لا بد من التشبث بطاقة الأمل التي فتحها قاض جريء ولاقت صدى إيجابياً شعبياً وحقوقياً ولدى الأهالي الذين فقدوا أحباءهم ومنازلهم ومصادر عيشهم الكريم في بلد يأخذه مسؤولوه إلى الهاوية.

شارك المقال