باسيل يخشى أن يثني الموقف الدولي الحريري عن الاعتذار

وليد شقير
وليد شقير

بعد أن كان قال قبل أربعة أيام إن اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري سيكون “خسارة لنا”، عاد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، وتساءل أمس بشيء من الاستعجال للخطوة بقوله: “إذا مقرر يعتذر فلماذا يقوم بذبح البلد ويسهم في نزيفه أكثر فأكثر؟ ومن أراد حرق العهد إنما حرق البلاد بأكملها”.

ليست المرة الأولى التي يقول فيها باسيل عكس ما يضمر.

في حديثه الأول عن أنه خاسر باعتذار الحريري، بدا باسيل يمارس نوعاً من السخرية حيال خطوة الرئيس المكلف المزمعة، كمن يضحك في سره. عبّر بتلك السخرية عن اغتباطه بأن ما أراده هو ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيتحقق: الهدف منذ اليوم الأول لتكليف زعيم تيار “المستقبل” من قبل الأكثرية النيابية، التخلص منه. وفي أول اجتماع بين عون والحريري قالها له مؤسس “التيار الحر: “أنا لا أريدك”. والبحث لم يتوقف عن بديل له من قبل الفريق الرئاسي منذ ذلك الحين، مع كل ما تسببه تعطيل الفريق الرئاسي قيام الحكومة على مدى زهاء 9 أشهر من مآسٍ ومزيد من التدهور في الأوضاع المعيشية والحياتية للبنانيين بفعل غياب حكومة تدير الأزمة وتبدأ إجراءات إصلاحية بالتعاون مع المجتمع الدولي من أجل الحصول على مساعدته المالية، وتعيد شيئاً من الثقة ببعض مؤسسات الدولة على طريق التعافي الطويل. لم يكن التردي المتواصل في أوضاع اللبنانيين همُّ باسيل أو الفريق الرئاسي. ما يهمه هو ما قاله في حديثه لموقع “التيار” بأن “فككنا المنظومة الاقتصادية والمالية الموجودة لنستبدلها بأخرى”. أي أن الإمساك بقرار البلد السياسي والاقتصادي هو أولويته حتى لو كان ذلك عن طريق الإمعان في التسبب بتعميق الانهيار وتفكيك بنية البلد الاقتصادية والمؤسساتية.

إلا أن الحركة الدولية الجارية منذ بضعة أيام للضغط من أجل التأليف، وحركة المشاورات التي يجريها الحريري نفسه لبلورة قراره النهائي في شأن الاعتذار، زرعت في قلب باسيل الخشية من ألا يقدم الرئيس المكلف على الخطوة. أي أن “بصلته محروقة”، كما يقال بالعامية، من فرط ترقبه إخلاء الحريري الساحة. استدرك حديثه عن خسارة فريقه في حال اعتذر الحريري، بقوله إنه “إذا أردنا أن ننتظر هوى الرئيس المكلف نكون نتفرّج على النحر اليومي للبنان أكان في موضوع الأدوية أو المحروقات أو غيرها”.

عوامل عدة تقف وراء الهجوم المتجدد على الحريري:

إبلاغ الدول، ولا سيما أميركا وفرنسا اللتين تحركتا باتجاه المملكة العربية السعودية لتشجيعها على الانخراط في عملية إنقاذ الوضع اللبناني من الانهيار، بأن موقف الفريق الرئاسي من زعيم “المستقبل” لن يتغير. وينسحب الأمر نفسه على الموقف الروسي المتمسك ببقاء الحريري وبتشكيله الحكومة على أنه الأكثر أهلية لتولي المهمة لأسباب تتعلق بقدرته على مخاطبة المجتمع الدولي وجذب ما يمكن من أموال يحتاجها لبنان، وبسبب حرص موسكو على تبوؤ القيادة السنية المعتدلة المرحلة في مواجهة التطرف في المحيط الذي يتأثر به لبنان. والقصد من التصعيد ضد الحريري قطع الطريق على أي محاولة دولية لإقناع الفريق الرئاسي بتسهيل تأليف الحكومة. وليس بعيداً. يتناغم باسيل في هذا الموقف مع الاعتراض من قبل حليفه “حزب الله” على التحرك الدولي الثلاثي المستجد، والذي اعتبره الحزب إحياءً للانتداب.

إن مجرد التسريب بأن الحريري ينوي الاعتذار أدى إلى قفزة جديدة في سعر صرف الدولار. وهذا سيكون له أثر معكوس لدى الرأي العام الذي سيميل إلى الاعتقاد، على رغم انشغال اللبناني بتأمين قوته اليومي ودوائه وطبابته… مواجهة أوضاعه المأساوية، أن رفض العهد التعاون مع الحريري وراء المزيد من التدهور والانهيار. وهو ما يفسر سعي باسيل إلى قلب الآية، باتهام الرئيس المكلف بأنه وراء هذا التردي، في وقت يشكل التدهور السريع في الأوضاع المالية والاقتصادية واضمحلال مؤسسات الدولة بسبب استمرار تعطيل ولادة الحكومة، الحجة الرئيسة لدى الحريري التي يستند إليها من أجل ترجيح تخليه عن المهمة. فهو يقول لمن يصر عليه الاستمرار رئيساً مكلفاً إن بقاءه في ظل الفراغ لن يوقف الانهيار الكارثي ومن الأفضل له أن يخلي الساحة لغيره. والفريق الرئاسي يدرك أنه سيتم تحميله هو مسؤولية هذا الانهيار في اليوم التالي للاعتذار، ولا بد من استباق ذلك بتوجيه التهمة للحريري منذ الآن.

هناك اتجاه لدى الكثير من القوى المحلية والإقليمية والدولية للتعامل مع الأزمة اللبنانية على أساس فقدان الأمل من قيام حكومة برئاسة الحريري لاستحالة التعاون بينه وبين الرئيس عون، وأن الخيار هو بين تكليف شخصية جديدة لتأليف حكومة انتقالية مهمتها التحضير للانتخابات النيابية وسط الضغط الدولي لإجرائها في موعدها، وللتفاوض مع صندوق النقد الدولي. والخيار الثاني إذا تعذر تأليف حكومة على رغم اعتذار الحريري هو محاولة تخفيف المجتمع الدولي أضرار الارتطام الكبير وكوارثه عن طريق المساعدات الإنسانية، حتى إجراء الانتخابات النيابية. وفي الحالتين يغرق لبنان في وضعي الانتخابات والتعبئة وينصرف الفرقاء منذ الآن إلى التعبئة الانتخابية، التي تقضي بالنسبة إلى “التيار الحر” أن يبذل جهداً استثنائيا لتعويض “الرئيس المكسور” كما وصفه في كلمة له في البرلمان الشهر الماضي ما خسره من شعبية. وإحدى أدوات التعبئة العونية هي إلقاء مسؤولية فشل العهد على الحريري والحريرية السياسية، من أجل استثارة العصبية المسيحية التي تواجه رفضاً وانتقاداً علنيا من البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في تحركه منذ ما يقارب السنة خصوصاً أنه يعتمد سردية مختلفة تماماً عن سردية عون وباسيل، التي تركز على انتهاك حقوق المسيحيين في السلطة وفي تأليف الحكومة. كما أن حزب “القوات اللبنانية يعاكس هذا النوع من التعبئة للعصبية المسيحية لاعتباره أن المناداة بحقوق المسيحيين من قبل “التيار الحر” هدفها تأمين مصالح باسيل. وكذلك موقف حزب “الكتائب والقيادات المسيحية المستقلة.

والتعبئة الانتخابية ستطلق حملات إعلامية متلاحقة في المرحلة المقبلة في كل الأحوال. ولذلك رد تيار “المستقبل” على حديث باسيل الأخير ببيان قال فيه: يتحدث باسيل عن النحر اليومي للبنان أكان في الادوية أو المحروقات أو غيرها، ويوجه تهمة النحر للرئيس الحريري، وتغيب عن عبقريته السياسية أن المسلخ الوطني مقره الرئيسي في بعبدا، وان رئيس البلاد هو مؤسس التيار الوطني الحر المعني الأول بمآسي اللبنانيين، وأن ملائكة جبران في الحكومة يصولون ويجولون في كافة الوزارات، وأن وزارة المحروقات أحرقت البلاد منذ تربع هو شخصياً على عرشها، وأن مجلس الدفاع الأعلى الذي يقوده رئيس الجمهورية، هو القائم مقام مجلس الوزراء في إدارة شؤون البلاد وإهانة العباد، وهو الذي يصدر الأوامر، خلافاً للقانون والدستور، إلى أصحاب الاختصاص في الصحة والأشغال والكهرباء والمولدات ومستوردي المحروقات، وهو الذي يراقب بعيون القصر، أرتال التهريب على الحدود وعلى عينك يا تاجر”.

شارك المقال