لا للاعتذار

علي نون
علي نون

إذا أخذ الأمر من حيث المبدأ فعلى الرئيس سعد الحريري أن لا يعتذر عن إكمال مهمته في التأليف كي لا يطقّ جبران باسيل من الحزن والأسى… أما إذا أخذ الأمر من حيث “التفاصيل” فيجب على الحريري أن لا يقدم على خطوة الاعتذار كي لا يطقّ ما تبقى من عصب في لبنان عموماً وبالاجمال.

تأسّي المنافق يشبهه تماماً: ركيك ومكشوف ومتذاكٍ ولا يخدع أحداً. وفي ذلك لا يخرج الأمر عن سياق ممنهج اعتمده ويعتمده مسيو باسيل تبعاً لكونه نهج ملهمه ميشال عون، حيث يمكن تطويع اللغة حسب المقام وتطويع الفعل حسب الأنا وأمراضها الطافحة .

ولا يخجل أهل ذلك المنهج من إظهار قلة احترامهم للناس عموماً ولجمهورهم خصوصاً، مثلما لا يخجلون من التشاوف بفشلهم وادعاء انه نجاح متعدد الوجوه والطبقات، وسيرتهم في ذلك طويلة، تبدأ من أيام الحكومة العسكرية ولم تنته بعد… من إرسال المبعوثين إلى حافظ الأسد لتقديم الطاعة والولاء بما في ذلك “ضبّ معارضيه في صندوق السيارة وحملهم غليه في دمشق” إذا وافق على ترئيسه للجمهورية، إلى إعلان حرب التحرير “وتكسير رأس الأسد” بعد أن وصل الرد السلبي، باعتبار أن ” الرجل مهزوز وغير موثوق” حسب التقييم الأسدي.

وكان يمكن اللغو بتبرير التقلبات العونية العجيبة لو لم يكن شهود المرحلة والوسطاء لا يزالون احياء يرزقون، وهذا في الواقع أغرب ما في الجماعة العونية: لا تهمهم الصدقية من قليل أو كثير. ولا تهمهم أقاويل القريب أو البعيد، ولا تعنيهم بشيء إحتمالات أي مساءلة ممكنة من طرف أتباعهم ولا اخصامهم، بل إن أحدهم يقول إنه سمع شخصياً من صاحب الشأن العوني ازدراء لا سقف له بجمهوره واستخدم كلمة مهينة لتأكيد قدرته على أخذ ذلك الجمهور أينما يشاء وفي أي اتجاه يشاء… وهذا ما فعله تماماً وواقعاً: من دمشق الأسد إلى بغداد صدام حسين! ومن الكونغرس وقانون معاقبة سوريا واعتبار سلاح “حزب الله” إرهابياً في خدمة مشروع إيران إلى تفاهم مارمخايل! ومن الإبراء المستحيل إلى التنسيق الغرامي بعد التسوية الرئاسية! وغير ذلك كثير ولا يحصر بسهولة أو بعجالة، لكنه كله في جملته يدلّ على انعدام صدقية من دون ضوابط… ويؤكد الحكم الأساس بأن الجماعة غير موثوقين ولا يمكن الركون إلى أي قيم في العمل معهم، عدا عن أن قلّة الوفاء تُعدّ واحدة من أبرز صفاتهم غير الحميدة.

إقرأ أيضاً: الفرزلي لـ”لبنان الكبير”: الأنانيات وحدها تمنع التشكيل

ثلاثية انعدام الصدقية وقلة الوفاء والانتهازية متمكنة في تلك الظاهرة، وكان يمكن الأخذ بها طالما أنها واحدة من نتاجات الحرب الأهلية… لولا أنها لا تزال مستمرة فيما تلك الحرب انتهت، والحروب الأهلية غير الحروب الوطنية أو القومية بحيث إن من بلاياها الكثيرة، صعود الرعاع وشذاذ الآفاق والانتهازيين واللصوص والسفلة وتجار الدم والحرام إلى الواجهة، وبعضهم يلعب أدواراً قيادية! ولا يتمنى سوى بقاء العدم والعبث كي لا ينتهي دوره وينتهي مفعوله، ولذا يعمد إلى “استئناف” الحرب حتى بعد صمت المدافع، وهذا يحيل إلى دوام التوتير والتنفير والنفخ في الكير وافتعال الأزمات والانقسامات، وإيثار العودة الدائمة إلى المقابر لنبشها باعتبار رميمها بضاعة نفيسة في سوق بلا أخلاق!

ومن حيث “التفاصيل” لا تعني خطوة اعتذار الرئيس الحريري عن عدم إكمال مسيرة التأليف (إذا حصلت) سوى تسريع للانهيار الكبير وضرب لآخر الاحتمالات الممكنة لوقف الكارثة عند حدّ ما، وتمكيناً إضافيا لمنظومة العدم والعبث كي تستمر في عدمها وعبثها، وكي تؤكد انكسار اللبنانيين أمامها وبالتالي وصولهم للمرة الأولى في تاريخهم الحديث إلى البلاء التام !

شارك المقال