نموذج طالبان يستهوي الميليشيات العراقية

علي البغدادي

مع تسارع الأحداث في أفغانستان في ظل انسحاب القوات الأميركية من هذا البلد، بعد نحو 20 سنة من الحرب على تنظيم القاعدة ومع عودة حركة الطالبان إلى المشهد السياسي بقوة، تتابع الفصائل العراقية المدعومة من إيران باهتمام التحولات الجارية وانعكاساتها ومدى إمكانية الاستفادة من النموذج “الطالباني” واستنساخه في العراق .

وربما يشكل جلاء الأميركيين وحلفائهم من الأراضي الأفغانية عناوين لأحداث مقبلة، قد يكون العراق جزءاً منها ومسرحاً لعمليات عسكرية تشابه نمط عمليات محاربة داعش في مواجهة الميليشيات المدعومة من إيران والتي تريد أن تكون على النهج ذاته الذي سارت عليه حركة الطالبان في مواجهة الوجود الأميركي لتحقيق مكاسب سياسية، لكن الفصائل المسلحة لم تصل إلى ما وصل إليه مسلحو الطالبان في مواجهة حكومة كابول رغم محاولات بعضها الدخول في مواجهة مع حكومة مصطفى الكاظمي، لكن عوامل كثيرة حجمت تلك المحاولات، منها وجود نواظم وقيادات تتحكم وتدير الأزمة في بغداد على عكس الواقع في كابول.

ومع أن الولايات المتحدة حققت انتصاراً في العراق وأفغانستان عبر الآلة العسكرية الضخمة، إلا أنها تركت العراق ساحة للميليشيات وقوى اللادولة المدعومة من طهران والتنظيمات الإرهابية، وكذلك الحال بالنسبة لأفغانستان وإن بدرجة أقل، في ظل قوة تأثير حركة طالبان والتفاف المسلحين حولها وعدم تشظي الفصائل في أفغانستان وهو ما شكل وحدة قرار سياسي وعسكري وأمني في مقابل القرار الأميركي والحكومي الأفغاني، فيما تشهد بغداد في ظل تعدد الفصائل ومراكز صنع القرار شكلاً عبثياً وفوضوياً في صنع القرار السياسي والعسكري.

وباتت أنظار الزعامات الشيعية وأمراء الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران، ترنو باتجاه الشرق نحو أفغانستان تحديداً وما يمكن أن يحصل بعد الانسحاب الأميركي من دور كبير لطالبان في المشهد السياسي وعودتهم ليشكلوا رقماً صعباً ولاعباً أسياسياً في المشهد الإقليمي والدولي/ وهو أمر قد يدفعهم إلى استنساخ هذا النموذج وسحب الأميركيين إلى الحوار معهم من خلال التصعيد العسكري على القواعد الأميركية والسفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في بغداد، مع أنهم يدركون أن أي انسحاب أميركي من العراق سيؤدي إلى انكسارات أمنية كبيرة، ومع ذلك يصرون عليه لتحقيق مكاسب إضافية ترسخ من وجودهم.

وتعمل إيران على أكثر من مسار لتعزيز وتنشيط قوة الميليشيات العراقية المسلحة لتحقيق سيناريو الحوار مع الولايات المتحدة بعد أن فتحت جبهة جديدة شرق إيران، فوجود بيئة قلقة شرقاً وغير محسومة غرباً في ظل بقاء القوات الأميركية أمر يهدد الأمن القومي الإيراني وهو ما يدفع إيران إلى حسم ملف الساحة الغربية (العراق) لصالحها ما قد ينقل الوضع من التصعيد المحكم إلى التصعيد الشامل.

وفتح زحف حركة طالبان وابتلاعها للأراضي الأفغانية بسرعة مدهشة أمام صمت عالمي محير، شهية الميليشيات الموالية لإيران على ترسيخ نفوذها والسيطرة على العراق أو ضمان دور محوري وأساسي في مستقبله.

ومع أن الفصائل المسلحة تدفع بكل ثقلها لتكون على غرار حركة طالبان وتسعى إلى جذب الأميركيين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات في ظل التصعيد العسكري الحاصل في الآونة الأخيرة، إلا أن الوضع في أفغانستان مختلف عن العراق، ولكل منهما حساباته الخاصة، وقد تكون الولايات المتحدة مضطرة للانسحاب من أفغانستان، لكنها قد تجد نفسها مضطرة للبقاء في العراق، في حين أن المراهنة على تكرار سيناريو الطالبان في العراق عبر الميليشيات، قد يكون بعيداً حالياً، فطبيعة التطورات المحيطة بالعراق مختلفة وتجعل الوضع فيه يقاس بامتداده الجيوسياسي المرتبط بالخليج واليمن وسوريا وهي كلها أسباب تفرض أهمية كبرى للعراق بالنسبة للولايات المتحدة.

ويبدو أن تحول الميليشيات والفصائل المسلحة العراقية المدعومة من إيران إلى جبهة موحدة بجناح سياسي معتدل أسوة بحركة طالبان قادرة على فرض نفسها كواقع حال، ومن ثم كسب الاعتراف الإقليمي وربما العالمي هدفاً بعيد التحقق على المدى المتوسط، لا سيما أن لا حوارات مباشرة حتى الآن بين تلك الفصائل والولايات المتحدة على غرار ماجرى بين حركة طالبان وأميركا في قطر من حوارات تم فيها الاتفاق على تسليم الحكم تدريجياً للحركة في أفغانستان.

فطالبان، بحسب متابعين قد تكون ورقة ضغط تستخدمها الولايات المتحدة ضد الطموحات الروسية المتصاعدة ومحاولة لتوريط روسيا شيئاً فشيئاً في صراع جديد في آسيا الوسطى، أي إعادة سيناريو الثمانينيات والتسعينيات في الساحة الأفغانية، فالهدف الأول لأميركا الآن هو مواجهة الصين وروسيا والبداية من خلق فوضى ونزاعات في الدول المحيطة في أفغانستان والتي تؤثر مباشرة على روسيا وبعدها الصين.

وفي ظل الواقع الحالي وتطوراته المتسارعة، لم تتبنَّ الفصائل السياسية أو المسلحة العراقية الموالية لإيران حتى الآن عبر مواقفها السياسية أو منابرها الإعلامية خطاباً معادياً أو مناهضاً لحركة طالبان الأفغانية أسوة بالموقف الإيراني من الحركة السنية المتشددة، فإيران دخلت خلال السنوات الماضية بحوارات وتفاهمات مع الحركة التي تعلمت الكثير من دروس الماضي وما جرته مواقفها الداعمة لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن من ويلات ومصاعب أدت بها إلى ما هو عليه الحال. ولهذا، فإيران وحلفاؤها في المنطقة في وضع الاستعداد لأي تحول طالباني بالمواقف كما أن إصبع الميليشيات على زناد البندقية لمواجهة المارد الأفغاني.

ومع أن الميليشيات الشيعية تعمل بجد على تحسين وضعها وموقفها في مواجهة الولايات المتحدة والسعي لرسم معادلة حوار مستقبلي على غرار حوار طالبان – واشنطن، إلا أن ضبابية الوضع في العراق تجعله مرشحاً للتصعيد في الفترة المقبلة مع احتمال انهيار كل سيناريوات التهدئة التي تعمل عليها الحكومة العراقية، إذا لم تتحقق مطالب الميليشيات بضمان دور فعلي ومؤثر ومحوري في العراق.

شارك المقال