استراتيجية بايدن إزاء إيران: تقاعس خطير أم فرصة ذهبية؟

حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي اتضح فيه جلياً أن إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن تصر على إدارة ظهرها لمشاكل الشرق الأوسط، حذر موقع مجلة “نيوز ويك” (newsweek) الأميركية في مقال للرأي من الأثمان الباهظة التي ستدفعها الولايات المتحدة وحلفاؤها بالإضافة إلى الشعب الإيراني نتيجة لتقاعس بايدن إزاء تعنت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. ومع ذلك، خلصت قراءة خلال مقابلة لمعهد “تشاتام هاوس” (chathamhouse) اللندني إلى العكس.

ووفقا لمقال “نيوز ويك” الموقع بقلم بوريس إبشتاين، وهو مستشار سابق لدونالد ترامب، ” أثبتت حملة الضغط التي مارستها إدارة ترامب جدواها مع النظام الإيراني الذي غرق قبل عام مضى في حالة من الركود. كما أعادت الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب الانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية الفاشلة، وفرضت مجموعة من العقوبات المستهدفة وأطاحت قاسم سليماني (…) وانعكست العقوبات الساحقة التي فرضها ترامب على الوضع المالي في إيران، فأجبرت النظام على التركيز على الداخل للحد من انكشافه الخارجي. وبالنتيجة، تعثّر وكلاء إيران الإرهابيون في اليمن ولبنان وسوريا والعراق.

من بعدها، دقت ساعة دخول جو بايدن إلى المكتب البيضاوي. حالياً وبعد مرور نحو ستة أشهر على ولايته، تشعر إيران بأن الرياح تجري كما تشتهي سفنها. وخلال الشهر الماضي، انتخب في السباق المزور إلى الرئاسة، المتشدد ومنتهك حقوق الإنسان إبراهيم رئيسي رئيساً للبلاد. ليس هناك من شك بأن حسن روحاني، الرئيس المنتهية ولايته، لم يكن بالتأكيد على شاكلة الحاكم “المعتدل” كما صورته وسائل الإعلام. ومع ذلك، فإن صعود رئيسي إلى السلطة يظهر إيران وهي تستعيد قواها قبالة فريق بايدن الضعيف والمتذبذب. في غضون ذلك، يتمسك البيت الأبيض بالكامل باستراتيجية التهدئة.

عدم كفاءة بايدن

ويبدو فريق بايدن وكأنه يسترضي طهران من خلال إزالة العقوبات المفروضة عليها وشطب المسؤولين الإيرانيين السابقين عن القائمة السوداء، ما يطيح النفوذ الدبلوماسي الحاسم الموروث عن إدارة الرئيس ترامب. أضف إلى ذلك، أن تمكين إيران من خلال تخفيف العقوبات بمليارات الدولارات لن يصبّ في مصلحة الشعب الإيراني المحاصر الذي يعاني من نير نظام قاتل. ومن المرجح أن تكون عدم كفاءة بايدن في غاية الخطورة. فأمام التردد الأميركي، قد لا يعرّض حماس إيران أمن الأمة الأميركية فقط للخطر وإنما أيضاً أمن قواتها في الشرق الأوسط ناهيك عن أمن حلفائها. فقد يترك العدوان الإيراني آثاراً وخيمة على إسرائيل، حليف أميركا الأكبر في المنطقة.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أطلقت الميليشيات المدعومة من إيران، في هجوم وقح جديد ضد الأميركيين، صواريخ مباشرة على القوات الأميركية العاملة في سوريا. وبينما تأمل إدارة بايدن أن يؤدي إحياء الاتفاق النووي إلى انسجام مع الحكومة الإيرانية الجديدة، إلا أن الاسترضاء لن يردع طهران. ويحفل التاريخ لسوء الحظ، بالأمثلة التي تثبت أن الخصوم ينظرون إلى السخاء الأميركي على أنه ضعف.

وقد رفضت إيران دونما تبرير تجديد اتفاقية مع المفتشين النوويين الدوليين لمراقبة مخزونها من الوقود النووي. كما باشرت وفقا لهيئة الرقابة الذرية التابعة للأمم المتحدة، بإنتاج اليورانيوم المخصب. وقبل أسابيع فقط من أداء بايدن القسم وتسلمه الحكم، بدأت طهران بإنتاج 20 % من اليورانيوم المخصب، وهي على يقين بأن الإدارة الأميركية القادمة ستسمح بالمخالفات.

وبحسب تقارير وسائل الإعلام، انتهت الجولة الدبلوماسية السادسة للتو في فيينا دون اتفاق، لكن إدارة بايدن تخطط لاستئناف هدر أموال الضرائب لجولة سابعة قريباً، علماً بأن رئيسي أعلن أنه يدعم المناقشات للدخول في الاتفاق النووي 2.0، لكنه أصر على نبرة التحدي. بالتالي، سمحت عدم كفاءة فريق بايدن لقاتل جماعي بالتحكم بمجرى الأمور وباتخاذ القرارات.

عدا عن ذلك، عمدت طهران إلى تطوير وتخزين أنظمة أسلحة خطرة بشكل متزايد، بما في ذلك الطائرات المسيرة الخطيرة والصواريخ بعيدة المدى ومجموعة من الأسلحة السيبرانية. لذلك، يجب أن تتضمن أي صفقة أميركية مع النظام الإيراني بنوداً حول استعداد إيران لاستخدام مثل هذه الأسلحة ضد أميركا وحلفائها. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، في هذا السياق، أنه ما من داع للاندفاع ولا موعد نهائي لمحادثات فيينا على ما يبدو، لأن النظام الإيراني يراكم أفعاله القذرة. ويأتي هذا الموقف وهذه الكلمات بعد أسبوع فقط من تعهد بايدن بالتزامه أمام الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بعدم حصول إيران على سلاح نووي في عهده.

لكن بيان بايدن ليس سوى ادعاء أجوف. لعل نيفيل تشامبرلين كان افتخر بمعاملة بايدن لإيران، لكن ونستون تشرشل كان ليهزّ رأسه اشمئزازاً. ويظهر أن الولايات المتحدة وحلفاءها والشعب الإيراني يدفعون جميعاً ثمن تقاعس بايدن المطلق في التعامل مع إيران. ولذلك، يتوجب على بايدن أن يحذو حذو خلفه في هذا الملف قبل فوات الأوان.

بايدن أمام فرصة ذهبية

وفي المقلب الآخر، ركزت مقابلة  لـ”تشاتام هاوس” على أن جزءاً من قضية بايدن يتمثل بعدم رغبته بهيمنة الشرق الأوسط على سياسته الخارجية، في ظل محاولته التركيز على التعامل مع الصين وقضية تغير المناخ. ورأى المقال خلافا لنظرة مستشار ترامب السابق أنه “يتوجب على الولايات المتحدة أن تدرك أن تعلقنا بإيران لا يتماشى تمامًا مع حجم التحديات الأخرى. لقد أنفقنا على إيران بشكل أكبر بكثير مما أنفقناه على الصين في سياستنا الخارجية لفترة طويلة. ولا يتناسب الحجم المولى للعلاقة مع إيران تمامًا مع التحديات الأخرى (…) وقد بذلت الكثير من الجهود لإخافة الأميركيين من إيران وربط القضية الإيرانية بدعم إسرائيل.

وبرز بنيامين نتنياهو من نواح كثيرة بصفته المتحدث الأكثر عدوانية ضد أي اتفاق نووي مع إيران. ومع تنحية نتنياهو من منصبه، قد تنخفض حدة الموقف من ناحية اليمين (…) أما إن لم يتوفر نوع من الاتفاق الدبلوماسي مع إيران، فقد تواجه الولايات المتحدة خيار خوض حرب أم لا مع إيران لكبح امتلاكها السلاح النووي، علما بأن الأميركيين قد سئموا بالفعل من الحرب في الشرق الأوسط”.

المصدر: News Week

شارك المقال