خميس الحسم

هدى علاء الدين

ساعات قليلة تفصل لبنان الكيان والشعب عن قرارٍ مصيري، سيخطه التاريخ بأحرف من عار إن أطلق العهد رصاصة الرحمة على لبنان، ليكون بعدها تاريخ اعتذار الرئيس المكلّف سعد الحريري عن مهمته التي جعلوها مستحيلة. ذكرى عهد مدّمر لوطنه. سنة إلا أشهراً قضاها الحريري في دائرة التكليف، سار فيها على طرق مليئة بالألغام والأفخاخ، زرعها كل من تآمر على لبنان بسياسات تعطيلية عبثت باقتصاده وحوّلت حياة مواطنيه إلى جحيم لا يطاق. اليوم، يحارب الحريري في مهمة تكليفه حتى الرمق الأخير، ويحرص على تنفيذها وفقاً للمبادرة الفرنسية نصاً وروحاً، فكان لقاء الثلاثين دقيقة يوم أمس آخر محاولات التشكيل لقطع طريق الاعتذار التي عُبّدت له منذ اللحظة الأولى لتكليفه. جولات مكوكية وتحركات دبلوماسية واتصالات سياسية على أعلى المستويات من مصر وفرنسا والفاتيكان ترافق المهلة التي أعطاها الحريري لبعبدا، إدراكاً منهم أن تداعيات الاستقالة أكبر من أن يتحمّلها لبنان والمحيط العربي الذي يرى في الاعتذار تسليم ما تبقى من لبنان للأجندة الخارجية التي تسعى منذ العام 2005 إلى وضع اليد عليه وضمه لمحورها السياسي والأيديولوجي. حتماً لن يكون اعتذار الحريري ثقيلاً على نفسه إنما على وطن أنهكه عهدٌ دمّر بنيته الاقتصادية والمالية، وأوصد الأبواب أمام كل محاولات الإنقاذ. فعلى مدى تسعة أشهر، انهار لبنان يوماً بعد يوم ولم يُحرّك أهل الداخل ساكناً، بل وقفوا له بالمرصاد، كلّ حسب مصالحه السياسية والطائفية الضيقة. فالاعتذار لن يكون خسارة لشخص سعد الحريري بل خسارة لهوية وطن ولفرصة أخيرة من أجل إعادة تموضعه على الخريطة العربية والدولية. فالحاجة الوطنية الاستثنائية لسعد الحريري في المرحلة الراهنة تطغى على كل الطموحات الرئاسية التي يجب أن لا تتعالى على النزيف الاقتصادي والمعيشي. يبقى التوقيع على التشكيلة الحكومية خياراً أوحد إذا ما أراد العهد حفظ ما تبقى من ماء وجهه، علّه يحيد قليلاً عن مسيرته القاتمة المليئة بالتعطيل والكيدية والعجز والفساد، فمرحلة ما بعد الاعتذار ستكون مكبلة بسلاسل الانهيار التام وستحرم لبنان من مفتاحه الإصلاحي ورؤيته الانقاذية الاقتصادية التي تخفف من معاناة اللبنانيين وتفتح من جديد آفاق العزلة العربية والدولية. لا بديل عن الحريري حتى الآن، لا غطاء سنياً لحكومة جديدة، ولا تسمية لأي مرشح آخر، ثلاث لاءات واضحة أتت من نادي رؤساء الحكومات السابقين، وهنا يقع السيناريو الأخطر، فما لم يُمنح للحريري لن يُمنح لأي اسم سني سيتمسك بحقوقه الدستورية للتأليف والتشكيل، ليكون حينها لبنان أمام نسخة ثانية من حسان دياب وربما أسوأ. سيغادر الحريري في حال أقدم على خطوة الاعتذار مرحلة التكليف بضمير مرتاح، وسيترك وراءه عصبة من المتآمرين والمتاجرين والمسخرين لإنهاء الوطن واللاهثين لمناصب مدمّرة لا قيمة لهم من دونها. فالكرة اليوم في ملعب رئيس الجمهورية حصراً، فهل تكون في خميس الحسم كالنار في الهشيم أم برداً وسلاماً على لبنان وشعبه.

شارك المقال