الصدر يقاطع الانتخابات لإنقاذ تياره… ويضع الشركاء في مأزق

علي البغدادي

فجر إعلان زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر مقاطعة الانتخابات التشريعية في العراق والمقرر إجراؤها في شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، مفاجأة من العيار السياسي الثقيل وسط كم الأزمات التي تمر بها البلاد وآخرها مقتل عشرات المرضى المصابين بفيروس كورونا في حريق مستشفى الناصرية في ذي قار (جنوب العراق).

وبات واضحاً أن الصدر الذي اعتبر في خطابه الخميس أن “ما يحدث في العراق مخطط لإذلال الشعب وإحراقه ويهدف لجعله كسوريا وأفغانستان”، قد يمنح مقاطعته للانتخابات ذريعة أو فرصة للقوى السياسية المؤيدة لتأجيل الانتخابات لالتقاط الأنفاس وتنظيم صفوفها خاصة أن الوسط السياسي العراقي ما زال يعج بالأحاديث المتعلقة بعدم نزاهة الانتخابات والتشكيك بنجاحها في ظل فوضى السلاح وتزايد نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران الساعية لتحقيق مكاسب سياسية في الانتخابات المقبلة.

ومن غير المستبعد أن يكون إعلان الصدر مقاطعة الانتخابات التشريعية ضمن الدعاية الانتخابية ومحاولة استمالة الشارع الصدري الذي شهد خلال الفترة الماضية تململاً كبيراً في ظل اخفاق النواب الصدريين في تحقيق انتقالة على مستوى الخدمات المقدمة لجمهورهم وللعراقيين عموماً، خاصة مع تفشي الفساد في مؤسسات الدولة وسوء الإدارة، وهو ما يجعل رغبته بتحقيق أغلبية في البرلمان العراقي المقبل أقرب إلى سراب.

واعتاد التيار الصدري على تفجير المفاجآت بالتزامن مع كل انتخابات تشريعية، إذ سبق أن أعلن في انتخابات 2018 و2014 موقفاً شبيهاً بالموقف المعلن حالياً بشأن رفضه تمثيل أي كتله له أو دعمه لأي كتلة نيابية لتأتي النتائج في الانتخابات لصالح الصدريين الذين احتلوا المرتبة الأولى في الانتخابات الماضية بحصولهم على 55 مقعداً نيابياً فيما يطمحون في الانتخابات المقبلة بالحصول على 100 مقعد، وإن كان أمراً صعب المنال، لكن عيونهم على منصب رئيس الوزراء أو على الأقل تسمية من يتولى هذا المنصب لتأكيد نفوذهم السياسي المتزايد.

ويمكن أن يكون انسحاب التيار الصدري مجرد رد فعل وقتي تجاه أحداث وأزمات يمر بها العراق، خصوصاً إذا لم تقدم الكتلة الانتخابية طلباً رسمياً تصادق عليه المفوضية، وهو أمر مستبعد أن يتم، لكن في حال حصوله فسيكون له تداعيات على الواقع الانتخابي، خاصة أن هدف التيار يتمثل بالسعي لتحقيق الأغلبية بتعدد الأساليب وأقواها كان إعلان الصدر مقاطعة الانتخابات.

ومن المحتمل أن تكون دوافع قرار زعيم التيار الصدري مرتبطة بما يتلمسه واقعاً من تراجع في تياره بعد سلسلة من الانتكاسات التي جعلت شعبيته تتأكل كثيراً واحدثت تصدعات في بنية التيار، وبات صعباً ترميمها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، الأمر الذي يمكنه في حال المضي بتأجيل الانتخابات من إعادة ترتيب أوراقه مجدداً وتهدئة الشركاء السياسيين من مخاوف وصول التيار الصدري إلى سدة الحكم.

وتسعى قوى سياسية شيعية موالية لإيران تملك أذرعاً وفصائل مسلحة تنتمي للحشد الشعبي لمنافسة للصدريين وجني مكاسب نفوذهم السياسي والعسكري مقاعد في البرلمان المقبل ليتمكنوا من تمرير مشاريع وقوانين تعبر عن وجهة نظرهم التي كثيراً ما تتعارض مع التيار الصدري.

ويرى المحلل السياسي منقذ داغر أن “السيد الصدر بقراره أقر باستحالة نزاهة الانتخابات رغم مباركته لها، وهذا يعني أن لاعباً رئيسياً يمتلك النفوذ والشعبية والمال والسلاح، يُقر أن العملية الانتخابية المقبلة إما غير نزيهة أو غير قادرة على إنتاج التغيير الذي يريده الشعب”. مضيفاً  “إذا كان هذا هو حال الصدريين فما بالك بقوى تشرين (المعارضة) التي من أجلها جرى تقديم الانتخابات، وهي لا تمتلك واحداً بالمئة من إمكانات التيار الصدري؟”.

ولفت داغر إلى انه “حسب أرقام الاستطلاعات، كان حوالي 60% من العراقيين قد قرروا عدم المشاركة في الانتخابات وهم في معظمهم من القوى اللاحزبية. ويقيناً أن هذه النسبة ستقفز كثيراً بعد الخطاب الذي ألقى ظلالاً كبيرة من الشك بجدوى الانتخابات”، موضحاً بأن”على جميع القوى السياسية الجلوس الآن لتدارس الموقف والخروج من الحرج الذي سببه لهم خطاب الصدر، كما على مفوضية الانتخابات والأمم المتحدة التي يفترض ان تشرف على الانتخابات أن تراجع ماجرى بعين الشرعية الشعبية لا بعين الشرعية القانونية”.

ومع أن الصدر وتياره يحتفظون بمسافة واستقلالية في القرار إلى حد كبير عن التأثير الإيراني مقارنة بالأحزاب والفصائل الولائية المدعومة من طهران، إلا أن الدخول الإيراني على الخط قد يكون وشيكاً من أجل إنقاذ العملية السياسية التي تملك إيران تاثيراً كبيراً عليها، إذ بدأ كبار القيادات الشيعية فعلاً اتصالات بالسيد مقتدى الصدر لثنيه عن اعتزال العمل السياسي والخروج من الأزمة بأقل الخسائر السياسية الممكنة، الامر الذي قد يجعل من الأيام المقبلة حبلى بالمتغيرات والمفاجآت السياسية.

ويؤكد متابعون أن التيار الصدري له جمهور ثابت ويمكن هندستهم انتخابياً بسرعة، وهناك مكاسب ليس من السهل على الصدر التخلي عنها، وهو يدرك ذلك وعليه فإن العودة ستكون واقعاً فيما لو لم ينجح تكتيك الانسحاب المؤخر، فالحفاظ على المكتسبات أهم من ترك الساحة للآخرين ليفوزوا بها.

شارك المقال