كتفا الحريري العربيان… والولادة: السعودية

محمد نمر
محمد نمر

غرق اللبنانيون في “شكل” مقابلة الرئيس الحريري عبر “الجديد”، وفي تقييم أداء مدير الأخبار مريم البسام، وغاب عن البعض المضمون السياسي للحلقة، خصوصاً في ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية وعلاقتها بالحريرية السياسية الوطنية.

وخلال تسعة أشهر من التعطيل، كان فريقا التعطيل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” يعزفان على وتر “السعودية لا تريد الرئيس الحريري”، ودرجت العادة أن السعودية لا تنزل إلى مستوى الرد على أطراف لبنانية تصطاد في الماء العكر، ليأتي الجواب الحقيقي أول من أمس على لسان الرئيس الحريري، في وضع المعادلة الواقعية لحال البلد، ومن لا يراها فهو “أعمى”، وأعطى التشخيص الصحيح لعلاقة السعودية ولبنان: “المشكل الأساسي أن عون متحالف مع “حزب الله” ومرتاح لذلك و”حزب الله” يحمي ميشال عون الذي يقوم بما يريد”، واضاف: “السعودية لم تقدّم السلاح للبنان ولم تقم بـ 7 أيار، السعودية أعطت السلام للبنان ولا تريد إلا الخير، والمشكلة مع “حزب الله”، واذا كانت سياسة الحزب تمثّل لبنان فمن الطبيعي أن يكون هناك مشكلة سعودية تجاه لبنان”.

إذاً، الأزمة السعودية ليست مع الحريري، بل مع “حزب الله” الذي يتدخل في شؤون الدول العربية ويرسل المقاتلين لتدريب الحوثيين في اليمن على استهداف الرياض وأمن المملكة.

المشكلة ليست مع الحريري، بل مع عهد يرأسه ميشال عون، استقبلته السعودية كرجل دولة، ليتضح في ما بعد أنه يدفع فاتورة إيصاله إلى الرئاسة بالدفاع عن سلاح “حزب الله” وإيران في المحافل الدولية، ويساهم عبر وزارة الخارجية بسلخ لبنان عن محيطه العربي وضمّه إلى محور العبث بالدول العربية، مرة عبر صهره جبران باسيل بعدم إدانة استهداف منشآت أرامكو، ومرة عبر مستشاره ووزير خارجيته المستقيل شربل وهبة الذي نطق بالعنصرية والسفاهة مرات ومرات.

المشكلة ليست مع سعد الحريري، بل مع معامل المخدرات وحبوب الكبتاغون التي يصدّرها الخارجون عن القانون بحمايات حزبية، تهدد المجتمع السعودي وتضرب الاستيراد والتصدير بين البلدين.

أما حكومياً، فالسعودية كانت واضحة في البيان الذي تلاه سفير المملكة وليد بخاري من بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون الذي استخدم صلاحياته في طلب حضور السفراء بعدما وصلته الرسالة أن بخاري لا يرغب في زيارة قصر التعطيل. وبيان بخاري آنذاك، كان مباشراً بتحديد سياسة المملكة تجاه الملف الحكومي، وفيه دعوة صريحة إلى الإسراع في تشكيل حكومة تنقذ اللبنانيين من الانهيار. وكان في متن البيان ما هو أشبه بجواب على كل المتحاملين والمصوّبين على الحريري: “الرؤية السعودية للبنان تنطلق من مرتكزات السياسة الخارجية للسعودية، التي تؤكد احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”. وعدم التدخل بالشؤون يعني بشكل واضح أن المملكة لا تضع أي فيتو على الحريري، خصوصاً أنها تحترم الدستور اللبناني الذي ينص على أن رئيس الحكومة يتم تكليفه من مجلس النواب وليس من الدول. وكانت لوزير الخارجية فيصل بن فرحان إطلالات عدة تؤكد أن السعودية لا تتدخل في شؤون لبنان وتدعم الإسراع في تشكيل حكومة ولا تتدخّل في اسم رئيسها.

وبالعودة إلى العلاقة مع الحريري، فلا بد من أن نقرأ بالشكل والمضمون الصحيحين، من دون السقوط في فخ إعدام التاريخ القريب والبعيد.

– قبل ثورة “17 تشرين” واستقالة الرئيس الحريري، كان الأخير يستعد لزيارة الرياض لتوقيع نحو 22 اتفاقية بين لبنان والسعودية، وكانت سبقته وفود للتحضير لبعض الاتفاقيات. كان يتجه الحريري إلى الرياض وهو على رأس حكومة فيها 11 وزيراً لباسيل ووزراء حزبيين لـ”حزب الله”، فلماذا تضع الفيتو اليوم على ترؤسه حكومة اختصاصيين لا ثلث معطلاً فيها لأحد؟

– بعد أكثر من شهر (بداية العام 2020) على انطلاق ثورة 17 تشرين التي كشفت النقمة على السياسيين، أطل الأمير خالد بن سلمان (شقيق ولي العهد الأمير محمد ونائب وزير الدفاع) في مقابلة عبر قناة العربية، حدد فيها الحلفاء الاستراتيجيين للمملكة وهما “الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري”.

– في الشهر نفسه (بداية العام 2020)، أطلّ وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير، عبر “سي أن بي سي”، في موقف دفاعي ومباشر عن الرئيس الحريري، بقوله: “حزب الله” وحلفاؤه منعوا الحريري من تطبيق الإصلاحات.

– وفي كانون الثاني أيضاً، لمعت تغريدة للأمير السعودي عبدالرحمن بن مساعد المقرّب من ولي العهد، يعلّق فيها على موقف لبنان الرسمي مع اغتيال قاسم سليماني، ويحدد فيها رأي السعوديين تجاه باسيل وعمه، وكتب على “تويتر”: ” جبران باسيج قال وقت ضرب أرامكو لا نستطيع أن ندين من باب النأي بالنفس، والآن تدين الخارجية اللبنانية (نظرياً) والحزبية (عمليًا) تدين سليماني.. إن لم تستحِ فاصنع ما شئت”.

– وفي 14 شباط من العام 2020، وبينما كان بعض الشبان من أنصار السيد بهاء الحريري عند الضريح يفتعلون الإشكالات مع أنصار “المستقبل”، كان سفير المملكة وليد بخاري في “بيت الوسط”، وقبلها ومع الشائعات بأن بهاء الحريري مدعوم من السعودية، سارع بخاري إلى زيارة “بيت الوسط” والحريري لنقل رسالة واضحة للبنانيين أن الرياض لا تدعم بهاء ولا تغطّيه.

إقرأ أيضاً: لبننة لبنان باب العودة إلى العرب

– وفي الشهر التاسع من العام 2020، بعد انفجار المرفأ وأثناء انعقاد الدورة 75 للجمعية العام للأمم المتحدة، كان الموقف الأكبر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عبد العزيز، حيث أكد أن انفجار المرفأ “يأتي نتيجة هيمنة حزب الله الإرهابي التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح مما أدى إلى تعطيل مؤسسات الدولة الدستورية، وإن تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء يتطلب تجريد هذا الحزب الإرهابي من السلاح”.

– وللملاحظة: الرئيس الحريري الوحيد الذي التقى الأمير محمد بن سلمان عام 2019، ومنذ عام 2017 إلى اليوم لم يلتق الأمير محمد أي شخصية لبنانية، خصوصاً من السنّة.

هذه الجولة السريعة لسنتين مضتا، كافية لتؤكد معادلة الحريري بأن المشكلة في “عون وحزب الله”، وليست الأزمة مع الحريري “الوفيّ” تجاه المملكة و”المولود العربي” فيها… الذي لا يهرب من أن يقول “لحم كتافي من السعودية”.

شارك المقال