إنصافاً لبكركي

علي نون
علي نون

خبر جيد ان يتصل الرئيس فؤاد السنيورة بالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي ويهنئه على مواقفه المعلنة في الأيام الأخيرة… خصوصاً بعد الحملة غير الموفقة التي خرجت ضد رأس الكنيسة المارونية، لأنه  قال جملتين في شأن التأليف الحكومي، لكن البعض لم يرد أن يقرأ سوى الجملة الثانية!

…وكأن من تنطح للدفاع عن صلاحية الرئيس المكلف، يشتغل عند الجماعة العونية من حيث لا يدري أو من حيث يدري، غافلاً أو متغافلاً عن أن البطريرك الماروني هو تحديداً وليس غيره ، منع ولا يزال يمنع محاولات الجماعة العونية أخذ الانقسام السياسي إلى عناوين طائفية وتغطية العبث الأناني الصافي بغلافات نافرة في تحريضها الفتنوي، واللعب على مسألتي الحقوق والصلاحيات بطريقة غير سوية ولا نظيفة وتتماشى حفراً وتنزيلاً مع ثقافة تلك الجماعة وطريقة عملها وارتكاباتها منذ أن “ظهر” صاحبها على اللبنانيين وحتى الآن.

ربما يكون في بعض الأداء التفصيلي بعض العور، لكن في الأداء العام للبطريركية المارونية، بل للكنيسة بشقيها الكاثوليكي والأرثوذكسي، على مدى السنوات الماضية، وخصوصاً بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وإلى الآن، ما يكفي من إيجابيات لبقاء لبنان واللبنانيين في مكان بعيد عن زمن الكوالح والمرارت الانقسامية  على أسس طائفية أو مذهبية… وهذا إنجاز  لا يصحّ تبخيسه أو تجاوزه أو النظر إليه بخفّة أو تهوّر أو قصور في التقدير… عدا عن أن المنطق السليم يفيد بأن المصيبة العونية وحّدت الناس  بشكلٍ إعجازي ولا حاجة أو مصلحة أو خير في  محاولة تقسيمهم مرة أخرى وتحت أي عنوان أو شعار أو استنتاج  أو اجتهاد أو تفسير ذاتي المنحى .

لا يحتاج اللبنانيون هذه الأيام إلى سبب جديد لتأكيد وحشة المكان الذي أوصلهم إليه العهد العوني، ولا إلى سبب جديد لتثبيت انكسار السيادة الوطنية امام التدخل الإيراني السافر، ولا إلى دافع إضافي لمشروع آتٍ من بعيد مراهناً على تشظي المستهدفين من قبله، وقلّة تدبيرهم الجماعي وتضعضع كيانهم الجغرافي والسياسي، وضمور دور مؤسساتهم الرسمية، وتحول دولتهم في الإجمال إلى شيء شبيه بالخرافة! وذلك إذا صحّ واكتمل، سيعني تمكين ذلك المشروع وأدواته المحلية وحزبه المدرّع والمسلّح من إتمام الإطباق على الجميع، وتحقيق تخرصات حسان دياب الملوّحة بتغيير الهوى الوطني إلى غير ما هو عليه،  وضم لبنان رسمياً إلى  “جنّ ” محور الأنوار والإعجازات الربانية الذي تقوده إيران!

لم يخطئ الخطاب الكنسي في حق لبنان، لا المحلي منه ولا المركزي في الفاتيكان… ولم تخطئ بكركي في حقًّ الميثاق الوطني ولا في حقّ أيقونة العيش المشترك ولا في حقّ الدستور الذي أنتجه اتفاق الطائف، بل العكس هو الصحيح تماماً، ولولا المسار العام الذي اعتمدته منذ انتهاء الحرب (وقبلها) لكانت جهنم ما تأخرت حتى وصول الجماعة العونية، ولكان التمدد الإيراني انتعش أكثر مما هو عليه بفعل الاستنفار الغرائزي المألوف في الانقسامات الطائفية والمذهبية وحاجة ذلك التمدد وأصحابه إلى ذلك الاستنفار حاجة الجسد المريض إلى الأوكسيجين.

إقرأ أيضاً: البخاري في بكركي… رسائل في كل الاتجاهات

قد يصّح العتب إزاء الكلام الدارج منذ تشرين الاول عام ٢٠١٩ عن الطبقة السياسية لجهة وضع جميع أقطابها في خانة واحدة، من دون فواصل ولا تنويعات ولا فوارق، بما يعدم المنطق ويخلط الحابل بالنابل والصالح بالطالح… وقد يصحّ العتب أكثر في هذه الآونة إزاء توجيه الكلام والاتهام بعمومياته إلى كل المعنيين بالتأليف الحكومي ووضعهم كلهم على سوية سلبية واحدة، في حين أن كلّ من عليها يعرف بداية أن حزب إيران يحرس التعطيل وينتظر  إيران ومصالح إيران وطبيعة المرحلة المستجدة بينها وبين الأميركيين والغربيين عموماً… وأن الجماعة العونية تحمل مفتاح القفل ليس إلاّ، وتمارس دورها التام في محاولة انتهاز اللحظة لتحقيق مكاسب ذاتية مريضة وصافية، وأن كثرة الغبار والضجيج المتأتيين عن كثرة الأزمات وتراكمها وتأثيراتها التدميرية لا تحجب الحقائق الأولى والبديهية تلك، وبالتالي لا يصحّ شرعاً وعدلاً واستقامة منطق تحميل الجميع مسؤولية ما حصل ويحصل، وتعميم الاتهامات من دون ضوابط،  وتجنب الإشارة إلى الشرير بالأصابع العشرة والجهر بالقول إنه شرير وأفعاله تغدر بالناس وتدمّر ما بقي لديها وهو قليل وسط كثرة الحاجات وتعطّل أسباب الرزق والعيش… قد يصحّ ذلك العتب بالتأكيد، لكنه يصير مثلبة لأصحابه إذا راحوا أبعد من ذلك الحدّ، وإذا  أخذتهم غواية الغريزة إلى نسيان العقل والرمي بعشوائية بشكل يوصل إلى عكس المراد والممكن والصحيح.

المشكلة الراهنة ليست مع بكركي ولا عندها ولا بسببها، بل في مكان آخر معلوم العنوان والشاغل والمشغل… ولم يخطئ من تلقف الأمر واتصل وأوضح وأعاد تصويب إحداثيات الرمي باتجاه مكمن العلّة وأولها وآخرها!

شارك المقال