الثورة تنتظر… من يطلق الصرخة الأولى

أنطوني جعجع

في سبعينات القرن الماضي، وقف النائب الراحل موريس الجميل ليعلن أن كل اسباب الحرب في لبنان قد اكتملت ويبقى أن نعرف من يطلق الطلقة الأولى.

الطلقة الأولى أطلقها الفلسطينيون في 13 نيسان ورد الكتائبيون بطلقة مقابلة واندلعت الحرب.

بعد نحو نصف قرن، يجمع المراقبون في الداخل والخارج معا، على أن كل اسباب الثورة في لبنان قد اكتملت ، لكن ما ينقصها هم الثوار أنفسهم.

وهنا لا بد من السؤال: من يحرم الثوار من ثورتهم؟ ومن يحرم الثورة من ثوارها ؟ هل هو الخوف من سلاح ما أو خيبة ما ؟ هل هو فائض القوة في مكان ونقصها في مكان آخر؟ هل هو الأمل المفقود في أي تغيير ممكن سواء في المدى القصير أو البعيد؟ هل هو ندرة القيادات القادرة على التعبئة والتجييش، فضلا عن ظاهرة الانقسام الحاد على مستوى السياسة والطوائف والمذاهب والأحزاب؟

وأكثر من ذلك، هل هي الصدمات التي لمسها جيل ما قبل الحرب وجيل ما بعدها، أم هي كل ذلك دفعة واحدة؟

يذهب المحللون والمراقبون بعيدا الى حد التساؤل أيضا حيال ما يبقي الناس في منازلهم، وما يدفعهم الى العراك في مراكز التسوق لخلاف على نقطة زيت أو حبة سكر، وما يسمرهم من دون غضب أو انفعال أمام الأفران والمشافي والمحطات والصيدليات، وما يدفعهم الى هذا الاستسلام القاتل أو التسليم شبه المطلق بما يروض شعبا طالما عُرف بحراكه الثوري، ويلغي وطنا طالما عُرف بنزعته الحرة والمتحررة.

يضيف هؤلاء: هل ما زال اللبنانيون ذاك الشعب الحر، الذي نزل في الرابع عشر من آذار الى الشوارع والساحات في ثورة سلمية جامعة أرغمت الجيش السوري على الانسحاب، والشعب الذي أصاب بلاد العرب بعدوى الثورات والتقلبات، والشعب الذي يجرؤ حيث يذعن آخرون؟ لماذا لا يُقدمون على تحركٍ جدي وفاعل ما داموا يفتقرون الى رجال دولة يقدمون الوطن على الجيوب، والى جيش قادر على اعادة عقارب الساعة الى الوراء، والى مكرمات عربية وأجنبية تضخ بعض الحياة في الخزائن المنهوبة والفارغة، والى قضاء قادر على لجم الفساد والفاسدين، والى حياد حقيقي ينأى بلبنان جديا عن حروب الآخرين في الهلال الممتد من البحر المتوسط حتى ايران، والى مظلة دولية أو عربية تفك عنه تلك العزلة الخانقة التي تحطم ملايين الرؤوس وهي في الطريق لتحطيم رأس واحدة؟.

يجمع المراقبون على أن أشياء كثيرة تغيرت الى الحد الذي بدا فيه اللبنانيون وقد القوا سلاحهم، وبدا فيه الحكام وقد تخلصوا من عقدة الخوف واطمأنوا الى استمرارية المنافع والمحاصصات من دون محاكمات او مساءلات، وبدا العالم وكأنه يخاف من لبنان ولا يخاف عليه، وبدا العرب وكأنهم منشغلون بحرائق المنطقة من جهة وموجات السلام مع اسرائيل من جهة ثانية، وبدت الأحزاب التي تنضوي تحت راية الخط السيادي وكأنها منشغلة بتعداد ما تملك من وزراء ونواب ورجال، أكثر من تعداد الخسائر التي لحقت بقواعدها الشعبية.

لبنان بحاجة الى حياد حقيقي ينأى به جديا عن حروب الآخرين في الهلال الممتد من البحر المتوسط حتى ايران، والى مظلة دولية أو عربية تفك عنه تلك العزلة الخانقة

وهنا يطرح سؤال آخر: هل نجحت ضغوط الجوع والافلاس والسلاح في اخماد ثورة 17 تشرين وفي احتواء أي حراك شعبي يؤدي الى واحد من أمرين: اما سقوط لبنان في قبضة  المحور الايراني – السوري في شكل نهائي مع ما يعني ذلك من ألغام وصدامات وتغييرات جذرية في الشكل والمضمون، واما اعادة لبنان الى ما كان عليه قبل تحكم السلاح بمساراته السياسية والديبلوماسية والاستراتيجية والثقافية وحتى الديموغرافية؟.

حتى الآن، الثوار في استراحة قسرية والسلطة على أعصابها، فهي تعرف أن ثورة 17 تشرين لم تمت، وان وراء الستائر همم تغلي تحت الرماد وتنتظر ربما، كما قبل خمسين عاما، من يطلق الصرخة الأولى.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً