“الحكيم” غير… “الحكيم”!

محمد نمر
محمد نمر

نكاية برئيس “المردة” سليمان فرنجية، أتى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع بميشال عون رئيساً للجمهورية، ودفع اللبنانيون الثمن “جهنم وبئس المصير”. خيار خيّطه حزب الله، غطته بكركي تحت عنوان “وحدة الصف المسيحي” بلقاء جمع المرشحين الأربعة (جعجع – فرنجية – عون – الجميل)، وتوّجته “القوات اللبنانية” بتفاهم معراب، فما كان من الرئيس سعد الحريري إلا أن يلبي نداء الإجماع المسيحي على عون. وحرصاً على عدم التعطيل ولملء الفراغ في سدة الرئاسة دخل التسوية، “على مضض” وفق تعبير صهر الرئيس جبران باسيل، لتأتي حكومة ينضم إليها رئيس “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري و”المردة” وبقية الافرقاء، فيما فات “الكتائب” القطار.

أراد الحكيم أن يكون عرّاب رئيس الجمهورية وأن يقطع الطريق على فرنجية بعد أكثر من 50 جلسة لانتخاب الرئيس، صوّت فيها الحريري لجعجع. قطع الطريق عن فرنجية وأرغم الحريري على دخول التسوية، ودخل لبنان العصر الأسود… فقط نكاية بفرنجية، وباعتراف دائرته الإعلامية، أعاد جعجع سبب ترشيح عون إلى الاتفاق بين الحريري وبري على ترشيح فرنجية. وطالما أن خيار عون جاء قواتياً “نكاية”، فهل سقوط عهد عون يعني أن الحريري وبري كانا على صواب آنذاك؟

ليس تحاملاً على “القوات” التي لم يسبق أن كتبت عنها، حرصاً على ما تبقى من معادلة (س – س أي سعد سمير)، بل وجهة نظر ورأي حريص على عودة العلاقة بين الثلاثي (سعد – سمير – وليد). فلا بد لمعراب التي تربح بالتكتيك وتخسر بالاستراتيجيا، أن تستيقظ على الواقع السياسي في البلاد، وأن تدرك أنها ليست وحدها. وأحد الديبلوماسيين، وفي جلسة خاصة (ديبلوماسي عربي ليس بعيداً عن القوات) قال: “لا أفهم القوات اللبنانية وسياستها، يريد جعجع أن يكون رئيساً للجمهورية وهو ليس لديه حليف واحد يضع اسمه على ورقة التصويت في العام 2022، وحاله لا يختلف عن حال باسيل، بل الأخير بالتكتيك أفضل منه بسبب وقوف “حزب الله” إلى جانبه، بينما جعجع من معه؟ في المقابل أن الحريري لا يزال يحافظ على ثلاثة أصدقاء على الأقل فضلاً عن صداقاته العربية والغربية”. رغم ذلك يفضّل هذا الديبلوماسي أن يحافظ باسم بلده على أفضل العلاقات مع جعجع. فرأي الديبلوماسي مجرد وجهة نظر لكنها حاضرة وقوية مثل وجهة نظر أحد أصحاب شركات استطلاع الرأي وتحليل أرضية الانتخابات النيابية، الذي يسأل: “طالما أن عدد التيار الوطني الحر سيتراجع، فهل هذا يعني أن العوني سيصبح قواتياً ويزيد من عدد كتلة القوات؟”، ويضيف: “إنه يراهن على ضمّ المستقلين والمهمة ليست سهلة واذا نجح بذلك فإن كتلة القوات لن تزيد عن نائبين أو ثلاثة…”، ويبقى تحليل صاحب شركة استطلاعات الرأي مجرد تحليل مبكر.

يحمل جعجع خطاب مواجهة “حزب الله”، ويرفض تعديل قانون الانتخاب المعروف بأنه قانون “جورج عدوان” الذي ساعد (القانون) الحزب في الحصول على أكثرية نيابية باركها قاسم سليماني من إيران.

يريد الحكيم أن ينافس “الوطني الحر” وفي الوقت نفسه يتجاوزه في خوض معركة “حقوق المسيحيين”، ويقف إلى جانبه في معارك عدة، أولها وأهمها تشكيل الحكومة، فضلاً عن محطات عدة كمواجهة حاكم مصرف لبنان، وإحباط اقرار قانون العفو… وكل ما يزيد من شعبوية “القوات”.

حتى في الثورة كان شريكاً أساسياً في قطع الطرقات، وما إن جاء الرئيس حسان دياب فتحت الطرقات لمرشح “حزب الله” و”الوطني الحر”، وبات الشعار: انتخابات نيابية مبكّرة. رفض تسمية مصطفى أديب، وعاد وطالب به بعد تكليف الحريري.

رؤية “القوات اللبنانية” تقوم على إجراء انتخابات نيابية مبكرة، فيما تفصلنا عن إجرائها في موعدها أشهر. ألا تحتاج هذه الانتخابات إلى حكومة تجريها، إلا إذا كان جعجع داعماً لأن تجري حكومة “حزب الله” و”الوطني الحر” المستقيلة الانتخابات.

لا يريد الحكيم دخول حكومة برئاسة الحريري، ويترك لمنافسه “الوطني الحر” الهامش الواسع من ضرب الدستور. يصمت على حصة لرئاسة الجمهورية تبلغ 8 وزراء، وعلى ثلث معطل لجبران باسيل، ويبقى في معراب، “يصدر” البيانات والتصريحات عن الطبقة السياسية والثورة، فيما هو لا يهرب من أنه الشريك الثاني بعد “حزب الله” في وصول عون وصهره إلى رئاسة الجمهورية. وكان الأجدى به أن يشمّر عن زنوده، وينزل الملعب ليغيّر المعادلات ويعيد “قوة الاستراتيجيا” إلى البلد بالمشاركة في الحكومة وقطع الطريق على التيار الوطني الحر بالاستفراد بالمسيحيين (حلفاء حزب الله) وعلى صهر خطف توقيع موقع رئاسة الجمهورية. ويرفض جعجع المشاركة في حكومة “الطبقة السياسية”، فهل سيشارك فيها بعد الانتخابات النيابية؟

إقرأ أيضاً: كان معكم “ثنائي الإلغاء”

نعم كان جعجع الزعيم الثاني للسنة في لبنان، كان ذلك قبل العام 2016، واليوم هو زعيم “القوات”. هي حالة لا بد من دراستها، فالسنّة باتوا ينصتون لفرنجية أكثر، بات المسيحي الاقرب لسماعه من جعجع إلى جانب المستقلين، لكن ذلك لا يعني أيضاً أن فرنجية قام بالجهود المطلوبة لمواجهة تصرفات عون، فمواقفه وتحركاته خلال الأشهر التسعة الماضية معدودة، ورغم ذلك من يسمع نجله طوني فرنجية، يطمئن إلى أن “المردة” إلى الأمام.

ليس تحاملاً على الحكيم، بل هو نقاش صريح، قد أدفع ثمنه بياناً “جبّورياً” أو اتصالات عتب، لكن “القوات” تؤمن بحرية الرأي وبالرأي الآخر. هي دعوة صريحة لتعود “القوات” إلى المسلك الصحيح، فالمعركة الانتخابية مسيحية في الدرجة الأولى وجعجع يحتاج حلفاء، فـ 17 نائباً أو 20 نائباً أو 30 لا يصنعون رئيساً للجمهورية… التحالفات تصنع رؤساء وخريطة طريق سياسية صلبة، ومواجهة “حزب الله” لا تكون بـ”نربح سوياً”، بل بـ”يخسر الخصم وأربح أنا وحلفائي”… “والله يعين البلد”!

شارك المقال