حين سأل عون عن ولاية الفقيه

علي نون
علي نون

لم يكن الأمر يحتاج إلى نتيجة أو سبب جديد لتأكيده. ولا إلى فشل المحاولة الدؤوبة من قبل الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة تحظى بقبول معقول محلياً وخارجياً يمكنها من وقف الانحدار، أو بالأحرى بدء العمل على ذلك.

وذلك “الأمر” الذي لا يحتاج إلى دلالات أخرى عليه، هو كون عهد ميشال عون وصهره واجهة سياسية ودستورية لإرادة غير سوية ولا تتماشى مع لبنان ومصالح أهله، يمثلها حزب إيران ويعبر عنها بكل طريقة ممكنة وغير ممكنة. والتجربة المرة الأخيرة هذه تدل على ذلك المنحى الخطير والذي لا يمكن تفسيره بالمنطق الوطني أو السياسي العادي أو المصلحي المادي أو حتى بالأدلجة المألوفة في عوالم اليوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

شيء غيبي يتعاطى مع أشياء حسيّة! وارتباط ديني خاص ومحكم يتعاطى مع شؤون مدنية عامة ومتنوعة! وتفلّت شارعي يتوسّل أطراً شرعية! وجموح عابر للحدود والسيادات والوطنيات يتوسّل خطاباً مؤسساتياً رديفاً حيناً وبديلاً أحياناً أخرى، لخطاب ثائر أو مقاوم، لكنه في الموضعين يخرج من لدنّ غيبيات صافية، ولا شيء في دنيا البشر هذه يمكنه أن يقارن به أو يستحق تلك المقارنة.

ارتباط حزب الله عندنا بإيران وصل إلى تلك المستويات غير الممكن تفسيرها سوى بافتراض التماهي عنواناً ممكنا لذلك، أي كأن الجماعة الحزبية عندنا ذابت في تلابيب وليّها وفقيهها في طهران، حتى صار الانفكاك مستحيلاً، وحتى صار “تلازم المصير والمسار” دمغة ربانية بعدما كان دمغة بعثية. وهذان المسار والمصير لا يعنيان تساوياً بأي حال، ولا وحدة حال، بل الحق الحق يقال إن التابع يذوب في المتبوع ومن أجله، وفي خدمته، ولا يمكن أن يصير العكس أبداً… القياس هنا ليس قياس تحالفات وتبادل منافع وارتباط أجندات وفق مصالح محددة في السياسة أو الاقتصاد، بل قياساً آخر يضع البعد الديني الإلهي فوق كل حسابات الأرض وأهل الأرض، وكل شيء يهون من أجله ولخدمته، بل إن كل شيء من أجله وفي خدمته، وهو الذي يتطلع إلى “لحظة” المهدي المنتظر والانتصار الأخير للعدل على الظلم!

وقد يسيء كثيرون الحسبة، ويذهبون في القراءة إلى عاديات المكتوب والمرئي، ويفترضون صواب الاستنتاج فيما هم في خطأ كبير: ليست عذابات الشعوب المنكوبة بالمشروع الإيراني تدليلاً (فقط) على عقم ذلك المشروع وعدم قدرته على هضم كل ما يبلع، ولا على تواضع القدرات مقارنة بالشعارات والغايات والمرحليات، بل يمكن الظن بكثير من الكآبة والأسى، بأن تلك العذابات، في عرف المهدويين الإيرانيين وغير الإيرانيين، هي ممر إجباري لا فكاك منه، للوصول إلى النتيجة الخلاصية المأمولة! وكلما زادت وحشة الطريق زادت الدلائل والتجليات على اقتراب الوصول، وعلى اقتراب الزمان من أواخر معالمه الأرضية.

إقرأ أيضاً: إلى الفراغ.. در!!

…سأل ميشال عون مرة جمهوره إن كان يعرف ما هي ولاية الفقيه، لكنه لم يخرج في الإجابة على نفسه، عن سرديته السياسية ولا عن تبعات اصطفافه حينها في المكان المضاد، حيث إنه برغم جموحه ومغالاته وأعصابه المتحكمة بعقله، لم يصل إلى حد تصوّر الحال الذي وصل اليه وأوصل لبنان واللبنانيين إليه معه. لم يصل إلى الاستنتاج الأخير القائل بأن خدمة ذلك الولي تعني، وستعني، امّحاءً إرادياً أو قسرياً للذات والأرض والدولة والاقتصاد والمصير والمسار. حتى لو كانت ظواهر المرحلة حاملة لمكتسبات خاصةً وذاتية وعابرة، ومصابة بوهم إعادة التاريخ إلى الخلف لمحو ما علق به من أدران في الصلاحيات والدستور والحقوق المسلوبة!… سأل سؤالاً دينياً وأجاب عنه بالسياسة والأوهام. وما يظهر راهناً ليس سوى الخلاصة المثلى لذلك التزاوج بين الأوهام الدينية الإيرانية والأوهام السياسية اللبنانية.

يدفع اللبنانيون أثمان مشروع مستحيل، ويمشون على طريق لا نهاية ممكنة لها… يعانون من تدهور أحوالهم المعيشية والمالية والخدماتية والطبية والأمنية والسيادية، وتتدهور أمورهم اكثر مع كل يوم جديد. وبرغم ذلك ( وما أفظع الذالك هذه) يشيع رئيس جمهوريتهم المفترض وراعيه وحاميه أخباراً كيدية انتصارية، ثم ينفيها، ويلهج حزب إيران بالانتصارات على إسرائيل ويزيد من زخامة اللهج، وكأن الطرفين لا يشبعان من كثرة الدلائل على غربتهما عن هذه الدنيا ويطلبان المزيد… ولا حاجة إلى هذا على الإطلاق!

شارك المقال