حزب الله… لماذا يطلبون رأسه؟!

أنطوني جعجع

ليس جديداً أن يكشف الأميركيون علمهم بما يتلقاه “حزب الله” من ترسانات إيران، بل الجديد يكمن في الكلام على “تسلحٍ متطور” يهدد مصالح أميركا وأمنها القومي، في خطوة تكاد تكون نسخة طبق الأصل عما تردده إسرائيل في هذا المجال بين الحين والآخر…

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، ماذا دفع الأميركيين الخارجين من تطرف فاضح أبداه الرئيس السابق دونالد ترامب حيال إيران وحلفائها، صوب تطرف مماثل هم الذين يخوضون مفاوصات متقطعة مع الإيرانيين في فيينا سعياً إلى حلول باردة لسبحة من الملفات الساخنة…

لا بل يمكن السؤال، لماذا أصبح سلاح “حزب الله” خطراً على الامن القومي الأميركي الآن، وهو المكدس في مستودعاته وأنفاقه منذ تأسيسه في العام ١٩٨٢؟

في قراءة سريعة لما يدور على المسار الأميركي- الإيراني منذ دخول جو بايدن البيت الأبيض، يتبين أن طهران أساءت القراءة في ثوابت الاستراتيجيات الأميركية، واستخفت ايضاً بشخصية الرئيس الأميركي الجديد وراهنت على ميله الواضح نحو حرب التسويات الممكنة لا حرب المواجهات الحتمية.

وانطلاقاً من هذه القراءة تعاملت إيران مع مفاوضات فيينا، فذهبت إلى الأميركيين معتقدة أن واشنطن لا يمكن أن تهنأ في الشرق الأوسط من دون تفاهم مع الجمهورية الإسلامية، وأن الخليج وإسرائيل لا يمكن أن يتجنبا التوسع العسكري الإيراني في شقيه النووي والصاروخي، من دون تنازلات جوهرية في أكثر من مكان وعلى أكثر من مستوى.

ولم يتنبه الإيرانيون إلى أن بايدن لا يرأس جمعية خيرية، وأن الخليج لا يعطي ثقة مجانية وأن إسرائيل لا تضع رقبتها تحت سيف أحد، فاصطدمت بثلاثة محاور متحالفة قسراً وتجمعها مصيبة مشتركة هي الخوف من إيران.

وأكثر من ذلك، اعتقد الإيرانيون أن في إمكانهم التفاوض على ملف واحد وهو البرنامج النووي دون سواه، وأن مفاوضيها قد يكتفون بطي هذا الملف إيذاناً برفع العقوبات، وذلك قبل أن يكتشفوا أن الأميركيين ذهبوا إلى فيينا بمعدة واسعة تريد ابتلاع كل ما تطاله أحشاؤها بدءاً بالصواريخ البالستية مروراً باليمن والعراق ولبنان وغزة وصولاً إلى مياه الخليج والبحر الأبيض المتوسط.

من هنا، يمكن تفسير الدوافع التي تقف وراء التصعيد الإيراني في اليمن ومنه في اتجاه السعودية، والقصف الصاروخي المتقطع على القواعد الغسكرية الأميركية في العراق، والقصف الصاروخي اللافت على المدن الإسرائيلية انطلاقاً من غزة، إضافة إلى سيطرة “حزب الله” المطلقة في لبنان على المستويين الأمني والاقتصادي والمالي والاستخباراتي، وتحويل هذا البلد إلى جزء شبه كامل من الهلال الإيراني المنشود.

ونعود إلى السؤال: لماذا الآن؟ ولماذا “حزب الله” تحديداً وليس حركة حماس مثلاً أو الحشد الشعبي أو الحرس الثوري أو العامل الحوثي على سبيل المثال لا الحصر؟

بكل بساطة، يجمع المراقبون العسكريون والمحللون الاستراتيجيون معاً، على أن “حزب الله” يشكل السلاح الأقوى والأنجع والأخطر في قبضة الإيرانيين، وأن طهران لا يمكن أن تنتصر في أي مكان من دون “حزب الله” وأن “حزب الله” لا يمكن أن يفعل شيئاً ما لم يكن في خدمة إيران.

ويرى هؤلاء أن الإمام خامنئي ليس سوى الواجهة السياسية والفقهية في طهران، وأن حسن نصرالله هو الآن القائد الفعلي والعملي غير المعلن للثورة الإسلامية والمسؤول عن نشرها وحمايتها وتعزيز قدراتها القتالية ليس في الشرق الأوسط وحسب بل حيث تدعو الحاجة في أي مكان في العالم.

وبكل بساطة أيضاً، يدرك الأميركيون، أن “حزب الله” هو من يقف وراء تدريب الحوثيين والحشد الشعبي وحماس والجهاد الإسلامي على تصنيع وإطلاق الصواريخ، وعلى حروب الأنفاق والعمليات النوعية التي تحدث في أكثر من مكان، لا سيما في أوروبا وتحديداً فرنسا وبلغاريا، إضافة إلى نشر خلايا تخزن نيترات الأمونيوم في مستودعات خاصة، وتمارس تبييض الأموال وتهريب المخدرات وأعمال الرصد والتجسس على تقنيات غربية حساسة وعلى فاعليات إيرانية وعربية وإسلامية معادية للنظام الحاكم في طهران… وليس من قبيل المصادفة أن تتهم صحيفة لو فيغارو الفرنسية “حزب الله” بتخزين نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت لمصلحة النظام السوري، وليس من قبيل المصادفة أن يمدد الرئيس بايدن قانون الطوارئ الذي يطلق يده العسكرية في أي مكان وفي أي وقت، وأن يبدأ مناورات مشتركة مع إسرائيل بالتزامن مع حملته على “حزب الله”.

وبكل بساطة أيضاً وأيضاً، يدرك الأميركيون ومعهم العرب وأهل الغرب أن “حزب الله” لا يمكن أن يتحرك بهذه السهولة الفائقة وهذه الحرية المطلقة من دون لبنان، البلد السائب والواقع في قبضتين: قبضة السلاح وقبضة منظومة سياسية سلمت أمرها وأمر البلاد للمحور الإيراني – السوري ومن دون أي قيد او شرط.

وينقل عن مصادر عسكرية غربية، أن الأميركيين باتوا على اقتناع بأن إيران قوية لأن “حزب الله” قوي، وأن “حزب الله” قوي لأن لبنان ضعيف، وبأن تحجيمه أو إلغاءه في شقه العسكري غير ممكن بسلاح محلي لبناني سواء كان في يد الجيش اللبناني أو أي جهة حزبية إسلامية او مسيحية، وان الأمر بات يحتاج إلى سلاح آخر موجود حكما خارج الأراضي اللبنانية، خصوصاً بعدما سقط سلاح العقوبات من جهة، وانفرط تحالف الرابع عشر من آذار من جهة ثانية، وتراجعت ثورة السابع عشر من تشرين من جهة ثالثة، وبعدما فقد السياديون خصوصاً واللبنانيون عموماً القدرة على الصمود في مواجهة أزمة اقتصادية أفقدتهم النزعة القتالية والثورية ولو حتى إشعار آخر على الأقل.

وتسأل المصادر، هل هذا ممكن أو وارد على الأقل، لتصل إلى حقيقة واحدة لا غير، إما التسليم بما تُمسك به إيران والانسحاب من المنطقة على غرار الانسحاب من أفغانستان، وإما اللجوء إلى الخيارات العسكرية كخيار حتمي ووحيد.

وتذهب المصادر عينها بعيداً إلى حد القول إن إيران لا يمكن أن تلوي زندها ما دام “حزب الله” واقفاً على قدميه وما دام لبنان أرضاً مباحة له في شكل مطلق، مشيرة إلى أن ما يجري في بيروت من انهيارات كاملة ومتلاحقة لا يمكن أن يستمر بأي شكل من الأشكال، لأن ذلك يعني تكريس الاحتلال الإيراني فيه من دون ضربة كف، وإلغاء أقليات سياسية وطائفية يمكن التعاون معها لبناء ما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد.

إقرأ أيضاً: …وسقطت “مقاومة” حزب الله

وأخيراً… لا بد من السؤال، هل يدخل الشارع الإيراني المتفجر في إطار انقلاب غربي من الداخل؟ وهل تشكل الصواريخ التي أطلقت من لبنان في الأمس رسالة تحذير من مغبة التلاعب بعواطف الإيرانيين؟ وهل يدخل الانضمام الشيعي إلى زحف الطالبان في أفغانستان في إطار الضغط على واشنطن والسنية المعتدلة في الخليج؟ وهل يعكس حديث الإسرائيليين عن احتمال انهيار الجيش اللبناني الخوف من تكرار تجربة العام ١٩٨٢، عندما انهارت المؤسسة العسكرية اللبنانية ولاحت بوادر دولة فلسطينية بديلة في الأفق، ما اضطر قادة تل أبيب وواشنطن إلى توحيد قرار الحرب في لبنان وطرد ياسر عرفات ومسلحيه وحلفائه في خطوة يتخوف المراقبون من أن تكرر نفسها لكن هذه المرة ضد حسن نصرالله و”حزب الله” والدولة الإيرانية الجديدة ..
واخيراً ايضاً، لا يمكن الجزم أن الحرب على “حزب الله” ستكون حاسمة في حال اندلاعها، لكن ما لا يمكن الجزم به أيضاً، أن الحرب ضده لن تكون حتمية متى يحين أوانها…

إنها مرحلة العد العكسي بالنسبة إلى مستقبل لبنان، والمرحلة الفاصلة التي لا بد أن تنهي حال اللاغالب واللامغلوب والانتقال من قرار عض الأصابع إلى قرار قطع الرؤوس.

شارك المقال