إسرائيل تخيّر الأمم المتحدة: “يا معي يا ضدي”

عبدالرحمن قنديل

الأمم المتحدة منظمة حكومية دولية ومن أكبر المنظمات الدولية وأشهرها في القرن العشرين، تأسَّست عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، وحدَّد ميثاقها الغاية من تأسيسها بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين عن طريق اتخاذ تدابير جماعية فعَّالة لمنع وإزالة الأخطار التي تهدد السلام، وتنمية العلاقات الودية بين الدول على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب وتعزيز الحريات الأساسية وتشجيعها من دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.

تأسست الأمم المتحدة خلفاً لـ “عصبة الأمم” بهدف منع الحروب مستقبلاً، ففي 25 نيسان 1945 اجتمعت 50 دولة في سان فرانسيسكو وعقدت مؤتمراً لصياغة ميثاق الأمم المتحدة، الذي اعتُمد في العام نفسه ودخل حيِّز التنفيذ وهو التاريخ نفسه الذي باشرت فيه الأمم المتحدة عملها، وبلغ عدد الدول الأعضاء عند تأسيسها 51 دولة، ومع انضمام جنوب السودان عام 2011 أصبح العدد 193 دولة تمثل تقريباً جميع الدول ذات السيادة في العالم.

وسعت الأمم المتحدة طيلة تأسيسها وطبقاً لقوانينها وإطار عملها الى أن تبقى هي المبادرة لحلول الصراعات والنزاعات في المنطقة بإنحيازها الى حقوق الانسان والشعوب كأولوية، ولطالما لاحقت الملفات التي تتعلق بإنتهاكات القانون الدولي، وضمن هذا الاطار جاءت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى “وقف إطلاق نار إنساني” في قطاع غزة، معتبراً أن “هجمات حركة حماس لا تبرر لاسرائيل القتل الجماعي الذي تشهده غزة”. وقال في جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي بحثت الوضع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، بعد تصاعد المواجهات بين حركة “حماس” وإسرائيل: “من المهم أن ندرك أن هجمات حماس لم تحدث من فراغ، وأن هذه الهجمات لا تبرر لاسرائيل القتل الجماعي الذي تشهده غزة ومن أجل التخفيف من هذه المعاناة الهائلة، وتسهيل توزيع المساعدات بشكل مضمون، وتسهيل الإفراج عن الرهائن، أكرر دعوتي إلى وقف إطلاق نار إنساني فوراً”.

تصريح غوتيريش إستدعى رداً من المندوب الاسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان، الذي طلب منه أن يقدم استقالته على الفور، معتبراً أن من يظهر تفهماً لـ”الفظائع المرتكبة ضد مواطني إسرائيل، ليس مؤهلاً لقيادة الأمم المتحدة”. ما دفع غوتيريش الى تبرير ما قاله بأنه ليس دفاعاً عن “حماس” وأن تصريحاته فُسّرت بصورة خاطئة بعد أن أثارت الجدل، فضلاً عن الكلام حول درس إسرائيل ما إذا كانت ستوافق على جميع طلبات موظفي الأمم المتحدة من أجل الحصول على تأشيرة دخول إليها في خطوة عقابية بعد تنامي الغضب الإسرائيلي من تصريحات غوتيريش.

وعلى الرغم من حيادية مواقفها، الا أن الأمم المتحدة لم تبقَ خارج حلبة الصراع من خلال تشكيلها بعثة لتقصي الحقائق بشأن النزاع في غزة عام 2014، أو لجنة غولدستون وهي لجنة تقصي حقائق شكلها مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، ترأسها القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون، ومهمتها كانت التحقيق في دعاوى ارتكاب جرائم حرب قبل حرب غزة وخلالها وبعدها، وأصدرت اللجنة نتائج تحقيقها في تقرير يعرف باسم تقرير غولدستون، أشار إلى أن كلاً من الجيش الاسرائيلي والفصائل المسلحة الفلسطينية قد ارتكبا ما يمكن اعتباره جرائم حرب، وفي بعض الأحيان قد يرقى بعض من هذه الجرائم إلى جرائم ضد الانسانية، بالاضافة إلى مطالبة “هيومان رايتس ووتش” الأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي في حرب غزة عام 2009. واعتبرت إسرائيل أن هذا التقرير كان منحازاً ضدها، وشككت في مصداقية مجلس حقوق الانسان وقتها مع أن “حماس” تعاونت معه.

رئيس مؤسسة “جوستيسيا”الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي بول مرقص أكد في حديث لـ”لبنان الكبير” أن “ما نشهده اليوم هو خرق لاتفاقية جنيف الرابعة الهادفة الى حماية المدنيين في منطقة الحرب، مع ضرورة تقديم الدولة المحتلة لالتزاماتها ازاء السكان المدنيين وجميع الأحكام المتعلقة بالاغاثة الانسانية. فما نراه اليوم ما هو الا مادة توثيقية للاحالة على المحاكم الجنائية الدولية، اذ يشهد المدنيون الاعتداء على الحياة والكرامة (انتهاك للمادة الثالثة)، اضافة الى استهداف المدنيين العزل والمباني السكنية كأنه عقاب جماعي فهو أقرب الى ما يسمى عملية ابادة جماعية ويطلق عليه جريمة حرب وقد أدانتها كل من المواد ٣٢ و٣٣ من اتفاقية جنيف والبروتوكول الثاني الذي يشدد على حماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية”.

وأشار مرقص إلى أن “اتفاقيات جنيف ترعى القواعد الدولية للحرب، وتحمي المادة الثالثة والمادة 27 من الاتفاقية الرابعة منها، الصادرة بتاريخ ١٢ آب ١٩٤٩ المدنيين أثناء الحرب وتنص على تحييدهم مع ضرورة احترام الدولة المحتلة لالتزاماتها ازاء السكان المدنيين وجميع الأحكام المتعلقة بالاغاثة الانسانية فلا تجيز أي استثناءات على ذلك، بصرف النظر عن ظروف الحرب. علاوةً على ذلك فبحسب المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة، لا يجوز لدولة الاحتلال أن تستولي على أغذية أو إمدادات أو مهمات طبية مما هو موجود في الأراضي المحتلة إلا لحاجة قوات الاحتلال وأفراد الادارة، وعليها أن تراعي احتياجات السكان المدنيين”.

كثرت الصدامات بين إسرائيل والأمم المتحدة خصوصاً في موضوع الانتهاكات للقانون الدولي وإدانتها بجرائم الحرب من خلال تقاريرها الأممية. فالتقرير السنوي للأمم المتحدة عن الأطفال في الحرب إتهم إسرائيل بارتكاب مئات “الانتهاكات الجسيمة” في العام 2020 واعتقال 361 طفلاً فلسطينياً، أبلغ العشرات منهم عن تعرضهم لعنف جسدي من القوات الاسرائيلية، بالاضافة إلى قتل ثمانية أطفال فلسطينيين في الضفة الغربية، ولكن عملية “طوفان الأقصى” أدت إلى تطرف إسرائيلي بوتيرة أقوى حتى في علاقاتها التي لم تسلم منها الأمم المتحدة على مبدأ “يا معي يا ضدي”.

شارك المقال