ميقاتي… ماذا يريدون منه؟

أنطوني جعجع

هل يملك الرئيس نجيب ميقاتي ترياقاً لا يملكه الرئيس سعد الحريري؟ وهل يرى الرئبس ميشال عون في هذا الرجل ما لم يره ولا يراه في سواه؟ وهل يكون لبنان مع ميقاتي أفضل حالاً مما يمكن أن يكون عليه مع أي حكومة أخرى؟

أسئلة كثيرة لجواب واحد وهو: طبعاً لا… إذ أن العلة ليست في هذا الرئيس المكلف أو ذاك، بل في منظومة حاكمة تملك عقلية مختلفة وبرنامجاً مختلفاً ورؤية مختلفة، وأكثر من ذلك هدفاً مختلفاً…

ويخطئ من يعتقد أن هذه المنظومة تبحث عن “منقذ” يملك مفاتيح للحل أو مدخلاً إلى انفراجات جوهرية، ولا يدرك في المقابل أنها تفتش عمن يمكن أن يكون جسراً أو معبراً أو حتى وسيلة تسهم من حيث تدري أو لا تدري في شراء وقت ثمين لرجلين:

– حسن نصرالله الذي يضع ملف الفراغ الحكومي اللبناني على طاولة المفاوضات الإيرانية – الأميركية المعلقة في فيينا.

– النائب جبران باسيل الذي يحاول القيام بعملية تبادل غير معلنة تقوم على أمر واحد: الحكومة في مقابل الرئاسة.

ما تبقى من عهد الرئيس عون لم يعد صالحاً ولا كافياً للقيام بأي عملية إنقاذ جدية أو ناجعة، ويدركان أيضاً أن ميقاتي ليس الرجل المطلوب لمثل هذه العملية لا على مستوى رأي الناس به، ولا على مستوى رضى العرب عنه، ولا على مستوى رهان العالم عليه، وجل ما في الأمر أن الرجلين يصيحان في مكان وينتظران الفجر في مكان آخر.

وأكثر من ذلك، قد يسأل البعض عن الأسباب التي حالت دون تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري وقد تسمح بتشكيلها برئاسة ميقاتي، ما دام المعيار هو المبادرة الفرنسية من جهة، ومبادرة الرئيس نبيه بري من جهة ثانية، والإصلاح من جهة ثالثة، والاستقلالية من جهة رابعة، وهي كلها مقومات تسلح بها الحريري في مفاوضاته مع بعبدا.

وأهم من كل ذلك أن ميقاتي لم يسقط من بيئة سنية مختلفة، بل من بيئة باركها الحريري بالتكافل والتضامن مع رؤساء الحكومات السابقين، وعلى أساس شروط كانت هي نفسها الشروط التي حالت دون تشكيل حكومتين بعد انفجار الرابع من آب.

وهنا لا بد من السؤال: هل يمثل ميقاتي الغصلاح المطلوب للانطلاق بالإصلاحات التي يضغط بها المجتمع الدولي على الثنائي عون – باسيل؟ وهل بات فجأة الرجل الذي لا تشوب سجلاته أي شائبة من تلك الشوائب التي أضاءت عليها قاضية العهد “غادة عون” في الأيام الاولى من ثورة السابع عشر من تشرين؟ وهل بات يملك السلاح الذي يحتاج إليه رئيس الجمهورية والمقاومة الاسلامية لضرب الفساد والفاسدين والمفسدين واستعادة حقوق لبنان في البر والبحر، ولجم التدهور الكارثي على كل المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية والديبلوماسية والأمنية وسواها من سقطات وموبقات؟

ومرة جديدة، الجواب هو لا طبعاً… إذ إن الرجل خاض تجربتين سابقتين لم يسجل خلالهما أي إنجاز يمكن الركون إليه أو التغني به، وجل ما يذكره الناس هو تلك الليلة التي انقلبت بها الأمور رأساً على عقب على قوى الرابع عشر من آذار، وتحديداً على رأس سعد الحريري الذي كان ينتظر تكليفه رئيساً لحكومة سيادية، قبل أن ينزل “القمصان السود” إلى الشوارع لتفتح طريق السراي أمام نجيب ميقاتي، وأمام سيطرة “حزب الله” على مفاصل الدولة وبعدها أمام تفكك قوى الرابع عشر من آذار وانحسار الدور العربي والدولي في البلاد.

ولسنا هنا في وارد نبش الملفات سعياً إلى تهميش الرجل، بل سعياً إلى القول أن المنظومة الحاكمة لا تستطيع التباهي بأنها أحسنت الاختيار وأنها اطاحت ” الشيطان الأكبر” لمصلحة “المنقذ من الضلال”.

فما يجري اليوم يشبه مدرسة الرئيس حافظ الأسد الذي كان يوزع براءات الذمة مجاناً على كل من يتجنب الاعتراض والمعاندة والاستقلالية… أليس الرئيس السوري الراحل هو من وصف الرئيس الراحل الياس الهراوي بأنه “افضل رئيس عرفه لبنان” متناسياً أن الرجل كان أول من انتخب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، وأول من وقع على اتفاق “السابع عشر من أيار”.

إنها بكل بساطة المدرسة نفسها والكتاب نفسه، والذهنيات نفسها.

مات الرئيس حافظ الأسد، لكنه ترك وراءه منظومة متجذرة في لبنان يتناوب عليها مسؤول بعد مسؤول بقيادة حسن نصرالله الوريث الفعلي للحركة السياسية السورية بعد حافظ الأسد والحركة الأمنية الإيرانية بعد قاسم سليماني.

وقد يسأل سائل: ألم يرفض التيار الوطني الحر تسمية الميقاتي لتشكيل الحكومة؟ الجواب: نعم لقد فعل ذلك لسببين: إنه أخذ من الرجل قبل التكليف ما يريده تحت الطاولة، أي صوت كتلته في أي انتخابات رئاسية وصوت ناخبيه شمالاً في أي انتخابات نيابية، بعدما تأكد أن الحريري سيجير أصواته لخصمه الشمالي اللدود سليمان فرنجية، وأنه فوق الطاولة تحاشى التسليم بشفافية رجل اتهمه قبل عام فقط بنهب أموال الشعب والدولة.

وقد يسأل وماذا عن سمير جعجع؟ والجواب هو نفسه لكن بطريقة مختلفة: فالرجل لن يكون ناخباً رئاسياً أو نيابياً لقائد القوات اللبنانية، وأن أي دعم له لا يجب بالتالي أن يكون مجانياً.

إقرأ أيضاً: ٤ عقبات أمام ميقاتي… وباريس تطرح “نسخة” عن أديب

وأخيراً، ها هو نجيب ميقاتي يعود إلى الواجهة وعلى كتفيه أكثر من رهان وأكثر من حساب. فهل يفاجئ الجميع بشيء لا يقوى عليه سواه أي التسلح بالحسم عندما تنزل مطارق طارق بيطار على رؤوس المشبوهين، وعندما يعيد إلى السنّة توازناً متوازناً في مواجهة “حزب الله”، وعندما يسحب لبنان من فم الذئب الممانع؟ أم يدخل إلى السراي بصفته الرجل الذي دخل قلب ميشال عون حيث فشل سعد الحريري. وخرج منه بصفته الرجل الذي استنسخ حسان دياب حيث رفض مصطفى أديب وبعده سعد الحريري؟

حتى الآن يمكن القول إن الرئيس عون لم يجر عملية مفاضلة بين الحريري وميقاتي على أساس الكفاءة والقدرات، بل عملية انتقام من رجل لم ينسَ له ما فعله خلال ثورة تشرين، أي عندما استقال بناء لرغبة الشارع وتركه معزولاً لا يعرف ماذا ينتظره ولا من أين يتلقى الضربات.

ويبقى أن يدرك ميقاتي ذلك، بحيث يختار بين أن يكون قريباً من بيئته أو قريباً من قلب الرئيس، أي جبران باسيل…

شارك المقال