الأحواز… انتفاضة مياه تكشف أزمة هوية تنخر نظام ولاية الفقيه

علي البغدادي

أفصح استمرار الاحتجاجات في مدن الأحواز ذات الغالبية العربية للأسبوع الثاني على التوالي وامتدادها إلى مدن إيرانية أخرى عن أزمة شرعية وهوية عميقة تضرب أساس نظام ولاية الفقيه في إيران.

وتدلل هتافات الإيرانيين بـ “الموت للدكتاتور” والتضامن الواسع في مناطق الأذريين الأتراك والعرب والأكراد مع مطالب الأحوازيين نقمة شعبية كبيرة وتفكك بات واضحاً في الهوية الجامعة لإيران عبر ترسيخ نظام ولاية الفقيه على وقع الآثار الناجمة عن تدهور الوضع الاقتصادي بفعل العقوبات الأميركية على خلفية الملف النووي الإيراني الذي مازالت المفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاق جديد يعيد الولايات المتحدة إليه تراوح مكانها.

وتحولت احتجاجات الأحواز على نقص المياه وتغيير مسار ونقل مياه نهر كارون إلى محافظات أصفهان ويزد وقم والتي تخللتها مصادمات أسفرت عن سقوط قتلى ومصابين في صفوف المحتجين إلى استفتاء شعبي برفض التهميش والتمييز وسوء الإدارة وتغييب الهوية التي يعاني منها العرب على يد النظام .

ويعد إقليم الأحواز العمود الفقري لإيران كونه يحتوي على 80% من النفط الإيراني ويضم أحد أكبر انهار إيران وهو نهر الكارون كما أنه يمثل الإطلالة الإيرانية الوحيدة على الخليج العربي إلى جانب اشتهاره بالعديد من الموانئ الستراتيجية اضافة إلى أن المفاعل النووي في بوشهر يقع في منطقة ذات غالبية عربية.

ويبلغ عدد سكان إقليم الأحواز الواقع جنوب غرب إيران قرابة مليوني نسمة، حسب إحصاء إيراني رسمي جرى خلال عام 2016، ويتألفون بالأساس من العرب الذين يشكلون 85 بالمئة من السكان، وأبناء الأقلية البختيارية الذين يشكلون الـ15 بالمائة الباقية.

ووفقاً للدكتور فراس الياس المتخصص بالشؤون الأمنية والاستراتيجية، فإن “ما يجري في الأحواز يمثل نتاج سنوات من سوء الإدارة المائية والبيئية، ونتاج سياسات التهميش التي مارسها النظام السياسي ضد هذا الإقليم الذي تم دمجه قسراً في كيان الدولة الإيرانية بعد صفقة سياسية تمت بين نظام الشاه وبريطانيا، أطاحت حكم الشيخ خزعل الكعبي.

وأضاف د. الياس أن “الدولة الإيرانية شيدت العديد من السدود في الأحواز، أبرزها سد الموت كما يعرف، وتستخدمه لتخزين المياه، ليس لأغراض زراعية أو بيئية، وإنما كسلاح يمكن استخدامه ضد سكان الإقليم، أو أي قوة مسلحة قد تغزو إيران من الجنوب.”

ولفت المتخصص بالشؤون الأمنية والستراتيجية إلى محاولة النظام الإيراني “خلق حالة وفاق صورية مع سكان الأحواز، عندما تم ترقية بعض الأشخاص من سكان هذا الإقليم إلى مناصب عليا في البلاد، كما هو الحال مع علي شمخاني أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي، لكنه في المقابل مارس سياسة إقصاء متشددة بحق العديد من السكان والمعارضين الأحوازيين، وقام باغتيال العديد منهم، بالإطار الذي جعل الإقليم بيئة طاردة للدولة وليس حاضنة لها.”

وأشار د. الياس إلى أن “التظاهرات الحالية التي تجري في الأحواز، تختلف عن غيرها من التظاهرات التي جرت في طهران وغيرها سابقاً، حيث إن التظاهرات في الأحواز تجري خارج حالة النظام، أما التظاهرات التي جرت في طهران وغيرها، فهي جزء من حالة النظام، ولذلك لا يجوز الربط بين الإثنين” موضحاً أن “الحالة الأحوازية حالة معبرة عن أزمة نظام سياسي لم يعد قادراً على التعايش مع مكوناته فقبل هذه التظاهرات دخل النظام في أزمة مع الأذريين الأتراك، عندما دعم أرمينيا ضد أذربيجان في الحرب الأخيرة.”

ويشدد الدكتور فراس الياس المتخصص بالشؤون الأمنية والاستراتيجية على أن “التظاهرات الحالية في الأحواز ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، كون النظام لا يملك حلولاً عملية لمعالجة أزماتهم، فهو يعمد عادةً لتبني حلول آنية ومرحلية، ما يجعل أسباب هذه التظاهرات قائمة، حتى لو تم إخمادها بالقوة المفرطة، كما يجري حالياً.”

إقرأ أيضاً: إيران: استفحال أزمة قطاع النفط و”فاقد الشيء لا يعطيه”

وجاء انضمام الاذريين والأكراد القاطنين في منطقة أذربيجان الجنوبية ومنطقة كردستان للتذكير بوجود 5 شعوب داخل إيران تطالب بالاستقلال عنها وهم العرب والأكراد والآذريين الأتراك والبلوش والتُركمان.

والأحواز تعود إلى الدولة المشعشعية العربية واعترفت بها الدولة الصفوية والخلافة العثمانية كدولة مستقلة إلى أن نشأت الدولة الكعبية (1724-1925م) وحافظت على استقلالها حتى سقوطها على يد الشاه بهلوي عندما اتفقت بريطانيا مع إيران في عام 1920 على إقصاء أَمير الأحواز (عربستان) وضم الإقليم إلى إيران حيث منح البريطانيون الإمارة الغنية بالنفط إلى إيران بعد اعتقال الأمير خزغل الكعبي لتصبح محل نزاع إقليمي بين إيران والعراق والذي تمكن بعد اندلاع الحرب من السيطرة على أغلب مدن الأحواز خلال 1980-1982 لكنه آثر الانسحاب منها بعد معارك طاحنة.

شارك المقال