من البلطيق إلى إيجة… السور الأوروبي العظيم بوجه المهاجرين

حسناء بو حرفوش

نشر موقع مجلة “أن هيرد” (unherd) الإلكترونية البريطانية، مقالاً مطولاً حول الجدران التي تبنيها أوروبا تحسباً لموجات جديدة من اللاجئين التي تتدفق من كل مناطق النزاعات أو التي تستثمر كأوراق للمفاوضات في الاتفاقيات الدولية. وفي ما يأتي ترجمة لبعض ما ورد في التحليل المطول للكاتب والمراسل الحربي السابق، أريس روسينوس.

“(…) لم تعد أوروبا اليوم هي نفسها أوروبا العام 2015، ولا يرغب أي من قادتها بعودة الاضطرابات السياسية التي أعقبت تجربة أنجيلا ميركل والحدود المفتوحة (…) وقد اعترفت ميركل مؤخراً بذلك عند سؤالها حول فتح الأبواب الألمانية أمام الهجرة الأفغانية، بالقول إن المشكلة لا تحل “باستقبال الجميع”، وشجعت، بشكل غير واقعي، الحوار مع طالبان لتمكين الناس من العيش بسلام قدر الإمكان في البلاد. أما البلاد المجاورة وتحديداً النمسا، فاعتبرت على لسان وزير الداخلية كارل نهامر، أن البلاد تستضيف بالفعل واحدة من أكبر الجاليات الأفغانية في أوروبا بأسرها.

حراسة متشددة للحدود

واتجهت الحكومة النمسوية بشكل حاسم نحو نهج الحدود المتشددة والعودة السريعة إلى بلد المنشأ (…) مثل الدنمارك التي تسرع في عودة اللاجئين إلى سوريا وتبحث على ما يبدو، بالتعاون مع المملكة المتحدة، في إفريقيا عن بلدان طرف ثالث مستعدة لاستضافة لاجئين ومهاجرين نيابة عنها.

(…) وربما تسلط اليونان الضوء بشكل أفضل ليس فقط على المزاج المتغير على الحدود الخارجية لأوروبا، ولكن المزاج المتغير في بروكسل نفسها. عندما فتح أردوغان حدود بلاده البرية مع اليونان في ربيع العام الماضي ونقل المهاجرين بالحافلات إلى الأسوار الحدودية في مواجهة اقتربت بشكل غير مريح من الحرب، حظي رد اليونان العسكري بتصفيق غير متوقع بدلاً من الملامة من الاتحاد الأوروبي (…) ويتم تعزيز الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) بمناطيد مراقبة وطائرات مسيرة تابعة للاتحاد (…) وعندما بدأ الرئيس البيلاروسي المستبد ألكساندر لوكاشينكو بنقل المهاجرين إلى الحدود الليتوانية قبل بضعة أسابيع، استجابت فرونتكس على الفور بنشر حرس الحدود وبدعم الجدار الحدودي الجديد الذي يبلغ طوله 550 كيلومتراً في ليتوانيا، حتى إن إستونيا تبرعت بـ100 كيلومتر من الأسلاك الشائكة لحليفها المناضل.

جدران من البلطيق إلى إيجة

(…) من بحر البلطيق إلى بحر إيجة، تشيد الجدران عبر شرق القارة الأوروبية، والتي ستتبلور قريباً بحائط صد للتجمهرات التي تكافح للدخول. حتى في تركيا، حيث سارع حزب الشعب الجمهوري المعارض بمطالبه بإعادة ثلاثة ملايين لاجئ سوري إلى البلاد في غضون عامين وأثار بلبلة حول التدفق المتزايد للمهاجرين الأفغان عبر الحدود الإيرانية، يهتم حزب العدالة والتنمية الحاكم ببناء جدران حدودية خرسانية لوقف التدفق من أفغانستان، بالظبط كما شيد جداراً خرسانياً على طول حدوده مع سوريا، ونشر قوة قاتلة ضد السوريين الذين يسعون للتسلل من خلاله. وفي الواقع، تمثل تركيا النموذج الأصلي لدول حرس الحدود الأوروبية الجديدة، وهو نموذج لما سيصبح دون شك حلقة من الدول الاستبدادية المتاخمة للحدود الجنوبية والشرقية للقارة، حيث سيمنع المهاجرون واللاجئون من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية من خلال رشوة حكام الدول الحدوية. وهذا يشبه بشكل ما العلاقة بين العملاء والمبتزين، حيث يستخدم أردوغان على سبيل المثال، المهاجرين كسلاح ضد أوروبا كلما وضع تحت الضغط، أو لوكاشينكو، الذي يعلم حق اليقين رغبة أوروبا بإبقاء المهاجرين بعيداً.

الحكومة المغربية تعلمت هذا الدرس بنفس القدر (…) وفي الوقت نفسه، يرتبط اهتمام أوروبا الوحيد بليبيا بضبط المهاجرين بشكل أكثر فاعلية، تماما يتركز اهتمامها الوحيد بالانقلاب المستمر في تونس، بالحفاظ على اتفاق حراسة الحدود هذا الصيف. وعلى الرغم من الصعوبات التي تثيرها العقوبات المالية الأميركية، يبدو أن الاتحاد الأوروبي يتطلع إلى إيران كواحدة من الدول المضيفة المحتملة للنزوح الأفغاني القادم، وهي ديناميكية ستؤثر بالتأكيد، إذا دخلت حيز التنفيذ، بشكل كبير على جميع الجوانب الأخرى للعلاقة الدبلوماسية مع البلد.

إقرأ ايضاً: قوارب الموت… خيار أخير

(…) ويترجم توسع فرونتكس بالنشر السريع للقوى المسلحة وقوامها 10 آلاف فرد. وفي الواقع، نشهد بالفعل مظاهر مبكرة لهذا النهج، سواء عن طريق عمليات صد المهاجرين في بحر إيجه من قبل خفر السواحل اليوناني بدعم من فرونتكس، أو القيود القانونية المتزايدة على نشاط قوارب المنظمات غير الحكومية في أوروبا الغربية والمتهمة بتسريع تدفق المهاجرين.

لبنان على اللائحة

(…) وليس من المفاجئ أن تضيف منطقة الساحل حيث الأراضي المتصحرة أو لبنان المنهار، أزمات مفاجئة جديدة للقادة الأوروبيين الحائرين بين رغبتهم بالحفاظ على ولائهم للمثل الليبرالية بشأن اللجوء بعد الحرب، والرغبة المتزايدة لدى جمهور الناخبين برفضهم. لقد ماتت أوروبا التسعينيات المنفتحة على العالم (…) ويتجاهل الجدل البريطاني حول مشروع قانون الجنسية والحدود (…) هذا السياق الأوروبي المتغير بسرعة. في بعض النواحي، قد يشكل ذلك مصدر ارتياح لحكومة محافظة أظهرت عدم قدرتها على تلبية مطالب قاعدة الناخبين الأساسية لوقف تدفق الهجرة غير النظامية عبر القناة: بدون أي إجراء من جانب المملكة المتحدة نفسها، سيجد الاتحاد الأوروبي نفسه منغمساً في نهج “حصن أوروبا” الذي سيؤدي في النهاية لخنق التدفق على شواطئ كينت.

وبينما يطالب وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين فرونتكس بالمراقبة الجوية على طول الساحل، سيعالج القادة الأوروبيون خطط الحدود لبريتي باتيل دون مساهمة بريطانية ذات مغزى بخلاف التمويل أو بالأحرى التكريم الذي قدمه الاتحاد الأوروبي اليائس لأردوغان. وإذ تنصب الأسوار في جميع أنحاء أوروبا، لن نراها تهوي مجددا في حياتنا”.

شارك المقال