فضيحة جديدة في موازنة 2024… أرقام لم تناقش “صُدّقت”؟

آية المصري
آية المصري

يوماً بعد يوم يتأكد الشعب اللبناني أنه يعيش في بلد العجائب والغرائب، ينام على مشكلة ليصحو على أخرى لم تكن متوقعة، فبعد الجدل حول دستورية الجلسات التشريعية في ظل غياب رئيس للجمهورية، وبعد تأمين نصاب هذه الجلسات لاقرار موازنة العام 2024 الكارثية لكنها أفضل من لا شيء بحسب رأي عدد من المعنيين، ظهرت مشكلة جديدة بعد انتهاء جلسات المناقشة، التي كانت عبارة عن استعراضات شعبوية انتقد فيها النواب السلطة الحاكمة، محاولين بذلك تبرئة أنفسهم من هذا العجز القائم. ووفق المعطيات التي حصل عليها “لبنان الكبير” من مصادر نيابية فان النواب لم يعلموا على أي موازنة صوّتوا خصوصاً وأن الفوضى هيمنت على مجريات الجلسة الأخيرة، ولا يعلمون كم صوت حصلت عليه هذه الموازنة أيضاً لأن التصويت جرى برفع الأيدي وليس بالمناداة، والمشكلة الأكبر لديهم أنه جرى نقاش معطيات الموازنة ولم يجرِ التطرق الى الأرقام التي عدلت خصوصاً وأنه جرت اضافة فرسان موازنة في اللحظات الأخيرة، وهذه الفرسان عبارة تستخدم للاضاءة على البنود التي ليس لها علاقة بالموازنة وتم ادخالها لتقطيعها من ضمن قانون الموازنة. وبحسب المصادر عينها فان عدم حضور وزير المالية يوسف الخليل جعل الموضوع أصعب لا سيما وأنه كان يتوجب عليه الحضور لاعادة احتساب الايرادات والنفقات وفقاً للتعديلات التي حصلت، فما حقيقة ما حدث؟ وهل صُدقت الموازنة من دون معرفة تفاصيلها المطلوبة؟ وهل من الممكن أن يجري التلاعب بالمواد المصدق عليها في الجلسة؟

مصادر مقربة من وزارة المالية عقبت عبر “لبنان الكبير” على كل هذه الاتهامات، بالقول: “الوزير أجرى عملية جراحية كبيرة منذ ما يقارب الشهر وهو موجود في المنزل منذ ذلك الوقت، وغير صحيح أنه كان يجب أن يكون موجوداً لاعادة احتساب الايرادات والنفقات وفقاً للتعديلات التي حصلت، لأن التقرير قرأه رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان والوزير لم يتغيب يوماً عن أي اجتماع وخلُص التقرير، واذا كانوا هم من قصروا بالمناقشة شو خصها وزارة المالية بالموضوع؟”.

وأشارت الى أن “وزير المالية قدم الموازنة للحكومة التي ناقشتها وقدمتها الى مجلس النواب وبالتالي باتت في عهدته. لجنة المال والموازنة ناقشتها على مدار أكثر من شهر ونصف الشهر والنواب كانوا يحضرون الجلسات واللجنة أعدت تقريرها وتحدث عن هذا التقرير رئيس اللجنة النائب كنعان، وبالتالي لم يعد لوزير المالية أي دور معني فيها، ونوقشت هذه الموازنة بنداً بنداً واذا النواب مش فهمانين فشو منعمل؟ وعلى مدار يومين ونصف نوقشت الموازنة ولا يجب أن تُسأل وزارة المالية عنها، لأنها كانت في جلسة الهيئة العامة، فكيف يقرّون بنوداً من دون معرفتها؟”.

ولمعرفة تفاصيل ما يحدث، أوضح عضو لجنة المال والموازنة النائب رازي الحاج أن “هناك شقين في الموضوع، الشق الأول أننا عملنا على مدار 29 جلسة للجنة المال والموازنة على وضع معايير أساسية للعمل فيها، منعنا استحداث أي رسم أو ضريبة جديدة، ألغينا كل المواد المتعلقة باستحداث ضرائب أو رسوم جديدة، ألغينا فرسان الموازنة، صححنا الشطور لأنها كانت على القديم أي الشركات والأفراد عندما يدفعون ضريبة على الشطر الأعلى، قمنا بتدقيق ايرادات الدولة التي كان غير مصرح عنها بصورة واضحة، وكانت وزارة المالية لا تكشف عليها بوضوح، وبالتالي قمنا بالكثير من الضبط في هذا الاتجاه وتمكنا من مطالبة وزارة المالية باعادة ارسال أرقام الايرادات لأن المصرح عنها من قبلها لا تعكس حقيقة الواقع”.

أضاف: “قمنا بالتدقيق في النفقات كثيراً، وعلى سبيل المثال، في موضوع الكهرباء كان وارداً بند الكهرباء في الوزارات بصورة مقطوعة، قمنا بتدقيقه واعادة توزيع بند الكهرباء بحسب الحاجة وتبين أنهم قاموا بتكبير الأرقام كي يشيلوا من 10 آلاف مليار المنوطة للكهرباء 6 آلاف مليار، لدفع فواتير مترتبة على مصالح مؤسسات المياه، وفعلياً الدولة لا يجبأن تدفع عنها الأموال لأنها مؤسسة تجبي أموالها”.

ورأى الحاج أن “الموازنة كانت بحاجة الى المناقشة بعدد أيام أكثر ولو أن المهلة الدستورية تنتهي في 31 من الشهر الحالي وكان يجب أن تمتد ليوم أو يومين بعد، فهم أدخلوا مواد فرسان الموازنة، وهناك بعض البنود كان بحاجة الى نقاش أعمق بعيداً عن المزايدات والشعبوية والضجيج والصراخ، لذلك انتهت مناقشة الموازنة وتم التصديق عليها من دون معرفة الأرقام الحقيقية، ووازرة المالية لم تحتسب الأرقام ولم تقلها داخل الجلسة”.

واعتبر أن “المخالفة الأبرز كانت عدم وجود وزير المال، الذي كان يجب أن يكون حاضراً لاعادة احتساب الايرادات والنفقات وفقاً للتعديلات التي حصلت، واليوم فعلياً صدق النواب على الموازنة ولا يعلمون على أي موازنة صدقوا والأرقام الموجودة داخلها، فلا أحد يعلم كم صوت حصلت عليه الموازنة والمخالفة الدستورية الكبرى أن التصويت لم يحصل بالمناداة بل برفع الأيدي، وهنا المصيبة الاكبر، فهذه الموازنة استطعنا تعطيل الألغام التي وردت فيها عندما أتت من الحكومة لكنها لا تحمل أي رؤية اقتصادية ولا تحل أي مشكلة من المشكلات العالقة وهي موازنة 24 جريمة”.

وحول امكان اللعب بمواد الجلسة التي صوّت عليها، أكد الحاج أن “هناك محضراً مسجلاً في مجلس النواب، وفي نهاية المطاف أي تلاعب سيظهر، والنواب لديهم بعد امكان الطعن ببنود الموازنة أو الموازنة كلها وبالتالي يجب الاطلاع عليها، ومن المتفرض أن تصدر يوم الخميس في الجريدة الرسمية كي نؤكد أن ما تحدثنا به في الجلسة تم ادراجه وماذا عن الصيغة النهائية لبعض المواد”.

في المقابل، قال النائب ميشال ضاهر في حديث عبر “لبنان الكبير”: “أنا لم أشارك في حفلة الجنون التي حصلت في جلسة اليوم الأخير لاقرار الموازنة، لأنني رافض أصلاً لتلك الموازنة، وكانت لديّ عدّة ملاحظات أبرزها بخصوص موضوع الـ TVA والتي يجب أن يكون مجموع إيراداتها بحدود الـ3 مليارات دولار وليس ملياراً واحداً، إذ ان ايرادات TVA المرفأ تبلغ وحدها مليار دولار، فمثلاً إذا كانت قيمة البضائع ١٠٠ ألف دولار ستباع للـretailor بـ١٢٠ ألفاً بعد احتساب بعض المصاريف، ليُعاد بيعها للمستهلك بـ١٥٠ ألف دولار أي بزيادة ٥٠٪؜ عن قيمتها في المرفأ فكيف يكون مجموع ايرادات الـTVA في الموازنة هو مجموع الـTVA نفسه في المرفأ؟”.

أضاف: “علاوة على ذلك لم يُحتسب مجموع الـTVA الذي يجب أن يُحصّل من المطاعم والخدمات والكهرباء وغيرها .أما بخصوص ضريبة الدخل على الأرباح فمن غير الطبيعي اقتراح تعديلها داخل الجلسة من ١٧٪؜ الى ٢٥٪؜ من دون دراسة مسبقة، فهذه مهمّة الحكومة وليس مجلس النواب وهناك جنون في التشريع يحصل”.

وأشار الى أن “الفوضى في التشريع أدّت الى رفع ضريبة الدخل في لبنان اذ أصبحت 32 ونصف٪؜ في الوقت الذي نحن بأمسّ الحاجة فيه الى الأموال والمستثمرين علماً أن ضريبة الدخل تبلغ نسبتها في قبرص 12 ونصف٪؜، وهنا في لبنان ليس لدينا تيار كهربائي ولا خدمات ولا أمن، فيما المصانع تنتج وتخاطر على وطأة الحرب التي لا ندري اذا كانت ستتوسّع لتشمل كل المناطق اللبنانية، هناك جنون”. وبهذه الطريقة نقول للشركات التي ما زالت صامدة: أصرفوا موظّفيكم وأقفلوا أبوابكم بدلاً من أن نقوم بالتخفيف عنهم لتمكينهم أقلّه من المحافظة على الموظفين وزيادة رواتبهم”.

ولفت الى “أننا لا يمكننا وضع 10% على الناس التي استفادت من منصة صيرفة، بحيث فرضت على أساس ايرادات صيرفة ليتبين أن المقصود هو الأرباح”، متسائلاً: “هل نتيجة عجز الدولة نأخذ الجميع بالمعيار نفسه؟”.

ورأى أن “هناك تخبيصاً في التشريع، وشعبوية كبيرة، مش هيك بيمشي البلد وأكبر شغلة يجب أن تقوم بها الحكومة هي دراسة الموازنة”.

وحول اقرار الموازنة من دون الاطلاع على أرقامها بدقة، قال ضاهر: “الحكومة ترسل الـ TVA تسعين ألف مليار ولجنة المال بعد اعتراض ترفعها الى 94 ومكتوب من وزارة المالية يرفعها لتصبح 102، ما هذا التخبيص؟”.

شارك المقال