ماذا يريد حزب الله من ميقاتي؟

جورج حايك
جورج حايك

كل شيء تحت السيطرة بالنسبة إلى حزب الله، كل المؤسسات الرسمية تعمل لخدمة مشروعه، بدءاً من رئاسة الجمهورية مروراً بمجلس الوزراء وصولاً إلى مجلس النواب، فيما الأجهزة الأمنية متناغمة معه إلى حد كبير أو تتجنّب أي مواجهة معه، لكن الاحتياط واجب وربما الثغرة في الجمهورية التي يسيطر عليها الحزب اليوم تكمن في الاستحقاقات الدستورية الداهمة كالانتخابات النيابية، وعملية اختيار رئيس الحكومة المكلف، وتأليف الحكومة، وانتخاب رئيس الجمهورية المقبل.

كل هذه الأمور يريدها تحت السيطرة ويفرض شروطه عليها، لكنه يحاول تمريرها بنعومة وانسيابية ومن دون أيّ مشاكل تُذكر. المسؤول عن وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل هما الحصانان الأسودان المفاوضان في كل استحقاق، يلتقيان مع الشخصيات السياسية المرشحة والممثلة للطوائف الأخرى، يمتحنان مدى انسجامها مع مشروع الحزب وسياسته، وإذا تعثّرت مسألة الانسجام يحاولان اقناع أي شخصية مقبولة لا تضرّ الحزب ولا تعمل عكس مشروعه.

هذا هو المعيار، ولا غرابة في الموضوع. فمحور المقاومة لا يحتمل رئيساً للحكومة مثلاً يعمل لمصلحة لبنان خارج هذا المحور، لأن المشروع الإيراني المتمدد في المنطقة يجدر به أن يبقى متحكماً بالعواصم العربية التي تخضع لسيطرته وهو يعمل على تفعيل نموّ ميليشياته فيها. وغالباً ما سمعنا تصريحات لمسؤولين ايرانيين في هذا السياق. هم لا يخجلون بذلك بل عقيدتهم وتوجيهات المرشد كلّها تصبّ في هذا الهدف، وحزب الله مقتنع تماماً بهذه العقيدة، عقيدة ولاية الفقيه وكل ما يتفرّع عنها، ويساهم في تطبيقها في لبنان، سوريا، العراق واليمن.

هذه الدول تستخدمها إيران لتكون ورقة في أي مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، وبالتالي يأخذ حزب الله في كل الاستحقاقات الدستورية في لبنان مصلحة إيران في الاعتبار في كل المفاوضات، وحتى تكليف رئيس الحكومة اللبنانية وتأليفها يخضعان لهذا الاعتبار مهما أنكر الحزب ذلك وترفّع عنه.

يُدرك الحزب ضرورة المحافظة ظاهرياً على التوازنات الطائفية والسياسية في لبنان، وبات بارعاً في البحث عن أغطية لهيمنته على القرار الرسمي في الدولة، ويعرف كيف يختار شخصيات مرنة ومعتدلة لها مصالح مع محوره، يجري معها الاتفاقات “تحت الطاولة” ليمرر أي استحقاق ثم يلعب على مسألة الوقت، فيمارس “التقيّة” بأنه مسهّل، واضعاً رئيس الجمهورية المؤتمن على تطبيق الدستور في الواجهة، وهذا ما حصل في مرحلة سعي الرئيس سعد الحريري إلى تأليف حكومة، ولا أحد مقتنع، بل من غير المنطقي أن يكون حزب الله يريد حكومة ويترك رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يعرقلان الموضوع لمبررات واهية، مرة بإسم حقوق المسيحيين، ومرة متذرعين بتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية، ومرة بالثلث المعطّل، فيما الشعب يتخبّط بالفقر والجوع والذل!

لكن بعد اعتذار الحريري تفهّم الحزب أنه لن يتفق مع عون بسبب وجود خلاف مزمن بين الطرفين، برزت معطيات واقعيّة ومنطقيّة تشير إلى أن الحزب قد تكوّنت لديه قناعة بضرورة تسهيل عملية تأليف الحكومة، فأظهر مرونة مفاجئة بتسمية ميقاتي مع المحافظة على شروطه، وقبول الحزب بميقاتي جاء للاعتبارات الآتية:

أولاً، ما هو حاصل يأكل من رصيد حزب الله ومن شعبيته داخل بيئته ومجتمعه الذي برهنت الأزمة أنه لا يتمتع بمقومات وميزات صمود أكثر مما لدى المجتمعات والطوائف الأخرى. وبالتالي، فإن الأزمة الداخلية صارت تلحق ضرراً مباشراً بالحزب ومشروعه ودوره الإقليمي في إطار المشروع الإيراني وكـ “مقاومة”.

ثانياً، الخوف من انهيار لبنان والانزلاق إلى الفوضى المسلّحة بحيث لا يعود الحزب حامل السلاح الوحيد في لبنان، ويفقد سيطرته على كل المناطق، وبالتالي تصبح إسرائيل قادرة على الاستفراد به، ما يشجعها على خوض عملية عسكرية ضدّه لتأمين حدودها.

ثالثاً، الخوف من تداعيات الانهيار وسقوط لبنان تحت الوصاية الدولية وخروجه عن سيطرة إيران.

رابعاً، لا يريد الحزب أي توتر سني – شيعي في لبنان، بحيث يبقى متحكماً بهدوء وطمأنينة باللعبة السياسية من دون إراقة دماء.

خامساً، اقتناع ايران بأن تأليف حكومة في لبنان تحت سيطرة حزب الله لا يضرّها بشيء في هذه المرحلة، وخصوصاً أن المفاوضات الاميركية -الايرانية لا تزال متعثّرة وقد تأخذ وقتاً طويلاً.

سادساً، حاجة الحزب إلى ترتيب أوضاعه للانتخابات المقبلة من خلال إراحة الشعب اللبناني قليلاً وتوفير أبسط مقوّمات العيش وتمرير المرحلة مع حكومة خاضعة له بإدارة ميقاتي الديبلوماسي المرن وغير المتصلّب.

سابعاً، شروط الحزب غير المعلنة مباشرة على ميقاتي، يفاوض فيها الحزب من خلال عون، وهدفها تأمين انتقال سلس إلى الانتخابات النيابية التي يشعر فيها الحزب بتهديد لسحب الأكثرية منه، لنقل لبنان مجدداً إلى النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. لذلك يصرّ عون على وزارتي الداخلية والعدل، بحيث يمكن لعون ومن خلفه الحزب أن يستمران في التحكم بالانتخابات، فاستمرارية تمثيل التيار الوطني الحر بكتلة وازنة في المجلس هو هدف استراتيجي لحزب الله، وسيعمل جاهداً للخرق سنياً ومسيحياً ودرزياً ليستمر في التحكّم بالمجلس النيابي.

هذه الاعتبارات بتأليف حكومة تلتقي مع رغبة دولية وتحديداً فرنسية تدعم ميقاتي لاعتبارات أخرى أهمها: أولاً، منع لبنان من الانهيار الكامل والانزلاق نحو الفوضى.

ثانياً، القبول بحكومة بالحد الأدنى لمساعدة الشعب اللبناني اقتصادياً ومعيشياً.

ثالثاً، تمرير المرحلة القاتمة والخطيرة على نحو سلس، مع مسكّنات خفيفة للوصول إلى الانتخابات النيابية حيث ستكون المعركة الحقيقية لإنتزاع الأكثرية من يد حزب الله ومرجعيته ايران.

من هنا نفهم الموقف السعودي البارد مع تكليف ميقاتي، فالقيادة السعودية تعرف أن هذه الحكومة ستكون تحت سيطرة حزب الله وخلفه ايران، وبالتالي ستكون غير قادرة على تطبيق أي اصلاحات، فهل سيكون ميقاتي قادراً على منع حزب الله وأتباعه من التهريب إلى سوريا مثلاً؟

إقرأ أيضاً: حكومة ميقاتي وعقدة الداخلية مجدداً

لذلك لن تفتح دول الخليج صناديقها لمساعدة لبنان في هذه الحالة، ولن تقدّم أي خدمة لحزب الله لأجل الاستمرار في سيطرته ووضع القرار اللبناني بتصرف طهران.

مسألة نجاح ميقاتي في تخطي الصعوبات وشروط تأليف حكومة ليست مضمونة لأنه مقيّد بشروط نادي رؤساء الحكومات السابقين، وبينهم الرئيس سعد الحريري الذي لم يعط رئيس الجمهورية ما يريده، وبالتالي لا يملك ميقاتي حرية القبول والرفض، بل هو اعتبر نفسه ممثلاً للحريري وكرامة الطائفة السنيّة. صحيح أن أسلوب ميقاتي مرن وديبلوماسي وانسيابي أكثر، إلا أنّ للتنازلات حدوداً، وعليه أخذ الاعتبارات المحلية والإقليمية والدولية في الاعتبار علماً أنه لا يمكنه تخطيها، لذلك فإن عملية التأليف قد تطول، وميقاتي نفسه لم يضع وقتاً محدداً يلزمه بالتأليف، لكن حتماً الوضع المعيشي المتدهور ونقمة الشعب المتزايدة سيكونان دافعاً لنرى من سيلحس المبرد أولاً، وهنا بيت القصيد!

شارك المقال