أهالي الشهداء: 4 آب مفصلي وتحركاتنا ستكون كسر عظم

هيام طوق
هيام طوق

منذ سنة لم يشعر أهالي شهداء المرفأ بطعم الراحة، ولم يغمض لهم جفن طالما أن أحباءهم ينادونهم من تحت التراب بكشف الحقيقة وصولاً إلى عدالة تريح نفوسهم وتثلج قلوب أم وأب وأخ وأخت وحبيب وحبيبة، الملتهبة بنار الفراق، رغم أن ما من شيء في الدنيا سيعوض خسارتهم حتى لو مرت سنوات وسنوات لن تكون كفيلة بأن تنعم عليهم بنعمة النسيان، ولن تستطيع عقود من الزمن شفاءهم من عذاب الاشتياق.

ساعات تفصل الأهالي واللبنانيين عن أسوأ ذكرى ممكن أن يتخيلها ويتحملها إنسان، والكل يتمنى لو كانت كابوساً مزعجاً استفاقوا منه، لكن تبين أنها حقيقة مرة عليهم تجرعها في بلد لا يقيم مسؤولوه أهمية لا للبشر ولا للحجر لأن مصالحهم وفسادهم أهم من أي شيء آخر حتى ولو أصبح البلد بمن فيه في آخر طبقات جهنم.

كلما اقترب موعد الذكرى كلما عادت ذاكرة الأهالي إلى ذلك اليوم المشؤوم، ويعيشون تلك اللحظات العصيبة التي قبضت على أرواح أحبائهم، وقضت على حياتهم، وتعود جراحهم التي لم تندمل يوماً إلى النزف، وهم يمرون بالحالة النفسية عينها التي كانت لديهم عصر 4 آب الماضي حتى إن من كان يتحدث إلى الأهالي قبل أسابيع، ويعود ليستمع إليهم في الأيام التي تسبق الذكرى يلاحظ جيداً أن نبرتهم تغيرت، ويخفون خلف أصواتهم المبحوحة الكثير الكثير من الوجع والألم، ورغم انهم خلال 365 يوماً لم يتخلوا لحظة واحدة عن المطالبة بالحقيقة وأكدوا مراراً وتكراراً أنهم لن يتركوا دماء شهدائهم تذهب هدراً، إلا أنهم اليوم يبدون أكثر إصراراً على تحقيق ذلك، ويحذرون من تحركاتهم التي “ستكون كسر عظم” لأن المحزون لا يمكن التكهن كيف ستكون ردة فعله على الأرض خصوصاً وأنهم حتى الآن سمعوا الكثير من الوعود برفع الحصانات، لكن لا شيء على أرض الواقع، وأن كل الأطراف السياسية تريد الوصول إلى كشف الحقيقة، لكنهم يضعون العراقيل أمام القضاء، وبعد سنة كاملة، لم تسجل التحقيقات سوى صفر تقدم في الملف.

أهالي الشهداء الضحايا كما يحبون أن يطلق على أحبائهم الذين خسروهم في الانفجار يريدون أن تكون الذكرى يوماً جامعاً للتضامن والصلاة، ويدعون الناس إلى مشاركتهم في هذا اليوم عبر مسيرات منظمة لكنهم في الوقت نفسه يؤكدون انهم “جماعة مفجوعة، محزونة، لا يمكننا السيطرة على أعصابنا في تلك اللحظات، ولا يمكن التكهن في إمكانية ضبط أعصابنا والانزلاق إلى الفلتان لأن وجعنا كبير، والكل لم يأخذ قضيتنا على محمل الجد، ولم يتخذوا أي تدبير لطمأنتنا من أن العدالة تسير على السكة الصحيحة. نريد رفع الحصانات بالفعل وليس بالقول والوعد “كما يقول النّاطق باسم لجنة شهداء انفجار المرفأ ابراهيم حطيط لـ”لبنان الكبير”، والذي أعلن أن “زمن التحركات السلمية ولّى إلى غير رجعة، وسنمهل المسؤولين 30 ساعة أي حتى البدء بتحركاتنا يوم غد الأربعاء، ونتمنى أن يفكروا بشكل صحيح لمرة واحدة لأن هذه المرة ستكون خياراتنا مفتوحة على كل الاحتمالات، وهم المسؤولون وعليهم تحمل مسؤولياتهم”.

ولعل أكثر ما حزّ في قلوب الأهالي انه قبل ساعات على الذكرى الفاجعة، ورد خبر مفاده أن مدير المخابرات الأسبق العميد كميل ضاهر وقائد الجيش السابق جان قهوجي لم يمثلا أمام القاضي طارق البيطار إنّما وكيلاهما، كما وأكد وكيل ضاهر أنه تم إرجاء الجلسة إلى 23 آب الجاري مع العلم أن البيطار كان قد أرجأ سابقاً استجواب العماد قهوجي في القضية، بعدما حضر الأخير إلى مكتبه مع وكيله القانوني المحامي انطوان طوبيا الذي أبلغ القاضي البيطار أنه سينسحب انسجاماً مع إضراب نقابة المحامين في بيروت ومقاطعة الجلسات كما أرجأ استجواب العميد ضاهر رغم حضوره، وذلك بسبب اعتذار وكيله القانوني المحامي مارك حبقة الملتزم بإضراب نقابة المحامين. كل ذلك، يزيد من شكوك الأهالي بأن المسؤولين يتهربون من القضاء، متذرعين بألف حجة وحجة، وكانوا يأملون في أن يمثل قهوجي وضاهر أمام المحقق العدلي في بادرة حسن نية خصوصاً قبل ساعات من إحياء الذكرى كما يشير وليام نون شقيق الشهيد الضحية جو نون الذي يؤكد أن “السلطة في غيبوبة تامة، وتتعاطى مع ضحايانا باستخفاف غريب”.

ويلفت نون إلى أنه يتوارد إلى مسامعهم من أن البعض يريد توجيه أصابع الاتهام اليهم في حال تدهورت الأمور، متوجها إلى السلطة بالقول: “لا تطلبوا منا ضبط الشارع، فلسنا موظفين عندكم ومن حق جميع اللبنانيين التعبير عن غضبهم بكل الوسائل المشروعة والمتاحة. نحن لسنا مسؤولين عن التطورات التي قد تطرأ على الارض”.

اللبنانيون يتحضرون للمشاركة في هذه الذكرى عبر مجموعات مدنية وحزبية، ويريدونها أن تكون انتفاضة شعبية لشهداء 4 آب للوصول إلى العدالة لأنها المدماك الأساس لبناء الدولة وإلا على الوطن السلام كما يريدونها انتفاضة على الطبقة الفاسدة التي أوصلت البلد إلى انهيار لم يشهده في تاريخه حتى في أحلك الظروف، لكن مرارة علقم هذا اليوم لن يشعر بطعمها سوى الأهالي الذين عادت بهم عقارب الساعة إلى قرابة السادسة من عصر ذلك اليوم، ولعل صوت أنطونيلا حتي الخافت، والذي يحمل في طياته الكثير من الوجع خير دليل على أن الجمر لن يحرق إلا بمكانه. كيف لا وأنطونيلا خسرت 3 أفراد من عائلتها في ضربة قاضية واحدة، فهي شقيقة الشهيد نجيب حتي وابنة عم الشهيد شربل حتي وصهرها الشهيد شربل كرم.

إقرأ أيضاً: 4 آب المفصلي: تنفيس الاحتقان بحكومة أم تسريع التدهور

أنطونيلا الصبية بات هدفها اليوم الوصول إلى الحقيقة، تاركة كل الأمور الأخرى جانباً، ورغم ألمها الذي تخبئه بضحكة حزينة ودمعة تحبسها في عينيها، مصرة على المضي قدماً، وتعد الشباب الذين رحلوا في زهوة العمر بأنها لن تهدأ قبل كشف الحقيقة والوصول إلى العدالة ” رغم كل المماطلة التي يعتمدونها منذ اللحظة الأولى للانفجار لأن شهداءنا أبطال، لم يترددوا في لحظة عن الإسراع نحو الحريق لإطفائه وإنقاذ الناس، لكنهم لم يعلموا أن دولتهم كانت تكافئهم بأطنان من النيترات خلف الأبواب”، لافتة إلى انه “مع كل خطوة خاطئة تنفجر قلوبنا، والسلطة تمعن في ارتكاب الأخطاء من آب الماضي، غير مهتمة لا بالشهداء ولا بأهاليهم رغم أن شبابنا هم شهداء الوطن وقضيتهم وطنية بامتياز. وأكثر ما يؤلمنا أننا لم نستطع القيام بأي شيء حتى الساعة رغم النار المشتعلة داخلنا”.

وتتوجه أنطونيلا إلى المسؤولين، قائلة: “غضبنا كبير وحزننا أكبر، لكن تأكدوا أننا لن نترككم تعيشون بسلام والأيام المقبلة بيننا، ودماء شهدائنا ستزهر حرية وعدالة”.

شارك المقال