الجيش أم الميليشيا؟

الراجح
الراجح

“وفي تقرير له دق صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر للحكومة اللبنانية، مشيراً إلى أن التضخم والوضع الأمني أدّيا… إلى انحراف في توزيع الدخل في اتجاه الطبقة ذات الدخل العالي، ما أدى إلى بروز مصاعب إضافية لأكثرية السكان”.

وما يثير قلقنا، أضاف التقرير، “في حال عدم إيجاد الحل السياسي أن يقع الاقتصاد اللبناني في دوامة استمرار تزايد التضخم وانخفاض القيمة الشرائية للعملة، إلى جانب عدم إعادة توزيع الدخل على نحو فعال في ظل حكومة مركزية تتجه نحو التفسخ”.

تصوروا أن هذا التقرير كان في أيار سنة 1987، ولا بد أن “صندوق النقد الدولي” كان محقاً في تحذيره، إذ أدت مسألة إعادة توزيع الدخل إلى اختلالات في البنى الاجتماعية عبر إلغاء الطبقة الوسطى وتهميشها اقتصادياً واجتماعياً ودفع نسبة كبيرة منها، ومعها أصحاب الأجور والرواتب إلى حافة الفقر والبؤس أو إلى الهجرة.

هكذا كان لبنان قبل اتفاق الطائف، ولنكن أكثر دقة قبل مجيء الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى الحكم…

إن فترة الحكم في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري أعطت لبنان استقراراً ولفترة أقلها عشر سنوات، بالرغم من أنها كانت في عالم متقلّب ومتغيّر، لكن ذلك لم يمنع عملية النمو المأمون في حينه. لا بد أن الخطط الاقتصادية والخدمات في عهده غيّرت من التركيب الطبقي للبنان، إلا أن عوامل القلق من بقايا الحرب الأهلية كانت لا تزال موجودة وضاغطة ومدعومة من الوجود السوري في لبنان، ما سبّب أزمات أولاها قضية الحرية، كإغلاق محطة الـ(إم.تي.في) وغيرها من ضغوط على وسائل الإعلام.

ولكون الاستمرار بخطة النهوض كان هاجس الرئيس الحريري وكيف يضمن الاستمرار بها كان السؤال؟ فالجواب أن يكون الجيش ضمانة الاستمرار، لكن الجيش كان يحتاج إلى غطاء شرعي، دستوري، قانوني، وفي الطريق لتأمين ذلك كانت كارثة الاغتيال…

بعد ذلك نرى أن كل القوى تحاول أن تأخذ الجيش إلى جانبها لأن الجيش بعد اتفاق الطائف قد تغير، فلم يعد حارساً لرئيس الجمهورية ولا لحلفائه في السلطة الحاكمة. لهذا نرى أن أخطر ما في هذه الأزمة التي نمر بها الوصول إلى حد تمزق الجيش كما حصل أثناء الحرب الأهلية حيث التمزق يأتي تبعاً لتمزق الوطن.

لا بد أننا نعرف أن الجيش كمؤسسة فقد احترامه لسلطة الدولة (وهذا ما عبّر عنه قائد الجيش وبالعلن حين خاطب أركان السلطة محملاً إياهم كل حالة التردي التي تعاني منها القوى المسلحة)، ولأن الجيش يؤدي مهمته وراء دولة يشعر أنها أقوى منه، وبما أن السلاح في يده هو، فإن الأوامر الصادرة إليه لا بد أن تكون من مصدر أكبر وأقوى من السلاح، والمصدر الوحيد الأكبر والأقوى هو الشرعية والدستور، وإلا فإذن أصبحت القضية، قضية قوة السلاح، فإن اليد التي تمسك به أولى أن تمسك بالسلطة دون حاجة إلى وسيط.

إقرأ أيضاً: الجيش… أنهكه عون وورثته الميليشيات

إذاً نحن أمام مرحلة مصيرية: إما عودة الشرعية والدستور ووقف عملية الانقلاب على الطائف والذي هو الدستور، وإما إلى اليد التي تمسك السلاح دون أن نغفل أن هناك جيشاً آخر على أرض الوطن، لا بل ميليشيا تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على ما تبقى من شرعية وقانون…

أمام هذا الواقع، هل تنجح إذاً محاولة بناء لبنان جديد يصبح فيه هذا الوطن واحة للحرية والديمقراطية؟؟ بالتأكيد يمكن ذلك فيما لو عرف اللبنانيون كيف يخرجون من أوهامهم النظرية والعمل على إنتاج دولة قوية قادرة على صنع قرارها بنفسها والحد من تأثير الجغرافيا السياسية فيها، ولا يعود دولة صغيرة مشرعة الأبواب… لبنان يستحق الحياة…

شارك المقال