هل يُجبر الشرق الأوسط على الاختيار بين أميركا والصين؟

حسناء بو حرفوش

لفت موقع مجلة “فورين أفيرز” (ForeignAffairs) الأميركية إلى النقلة النوعية في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مسطراً تنامي الوجود الصيني والذي قد يفرض من ضمن تبعات الانسحاب الأميركي. ووفقاً لبعض ما ورد في التحليل المطول “مع استمرار تقليص واشنطن عدد قواتها بشكل كبير في العراق، وتعهد الرئيس جو بايدن بالاكتفاء بالتركيز على عدد صغير فقط من الأهداف في المنطقة، علت الأصوات المحذرة من محاولة احتلال الصين مكان الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية بارزة (…) ويعتقد بعض المحللين في مجتمع السياسة الخارجية الأميركية أن المنطقة ستشهد على منافسة القوى العظمى بين واشنطن وبكين، مستشهدين باستثمارات الصين واتفاقاتها التجارية الثنائية مع القوى الإقليمية، وقاعدتها العسكرية في جيبوتي، وتزايد علاقاتها الوثيقة مع إيران كدليل على تهديدات جديدة وخطيرة لأمن الولايات المتحدة. وتماشيًا مع وجهة النظر هذه، يجادل الباحثان مايكل دوران وبيتر روف بأن حملة الصين “القوية” للتقدم في المنطقة تزيد من خطر فقدان الولايات المتحدة السيطرة على النظام الدولي ككل. ومع ذلك، تستند هذه الادعاءات إلى أدلة واهية.

وغالبًا ما تتشكل المفاهيم الأميركية حول دور الصين في الشرق الأوسط من خلال تجربة واشنطن الخاصة والتي تحددها التحالفات العسكرية والتدخلات المسلحة، أكثر مما تبنى على السلوك الصيني الفعلي. وفي الواقع، لا يرتبط الدافع وراء وجود بكين المتنامي بالرغبة في الهيمنة بقدر ما هو منوط بالاهتمامات الاقتصادية والسياسة الداخلية، مثل الاعتماد على الوقود الأحفوري والرغبة بالتخلص من الازدراء الإقليمي فيما يتعلق بمعاملتها لمسلمي الأويغور (…) وقد تنتهي الصين كقوة مهيمنة في المنطقة، ولكن إذا حدث ذلك، فلن يكون بفضل أي خطط استراتيجية كبرى من جانب بكين بقدر ما هو بسبب انفصال واشنطن البطيء ولكن الثابت عن الشرق الأوسط.

الاقتصاد هو الدافع

وكرست بكين على مدى العقدين الماضيين، الكثير من الوقت والموارد لبناء علاقات دبلوماسية وتجارية مع جميع اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط. وقلة هي الدول الأخرى التي تستطيع التباهي بعلاقات جيدة مع إيران وإسرائيل والمملكة العربية السعودية ودول الخليج، ويشكل هذا التوازن مكوناً حاسماً في استراتيجية بكين الإقليمية (…) كما دفعت تحركات الرئيس الصيني في المنطقة بالكثير من المحللين وخبراء السياسة الخارجية وكتاب التحرير في الصحف الكبرى وأعضاء في الكونغرس الأميركي، إلى استنتاج أن الصين تمتلك طموحات إقليمية كبيرة. ووفقاً لحساباتهم، تجعل المكانة الفريدة للشرق الأوسط كمركز لوجستي ومورد للوقود ونقطة محتملة للتجارة العالمية، المنطقة حاسمة بالنسبة لهدف الرئيس الصيني المتمثل بإعادة توجيه الحوكمة العالمية بعيداً عن الولايات المتحدة (…) وتستعرض الصين حالياً عضلاتها في شرق آسيا وخارجها، من خلال تجاهل حكم محكمة دولية بشأن مطالباتها في بحر الصين الجنوبي وخرق بروتوكولات الطيران طويلة الأمد في مضيق تايوان وفرض تعريفات جمركية على أوستراليا وكوريا الجنوبية رداً على ما تعتبره إهانات مثل تحقيق كانبيرا في أصول فيروس كورونا الجديد ونشر سيول لنظام مُحسَّن مضاد للصواريخ، بالإضافة إلى التنمر على منظمات الأمم المتحدة في قضايا تتراوح بين تفشي فيروس كورونا والمخاوف المرتبطة بحقوق الإنسان.

(…) وتبرر الحاجات الاقتصادية للصين في الشرق الأوسط، بالتوازي مع الدبلوماسية المطلوبة للحفاظ عليها، قدرًا كبيرًا من التقارب الصيني الأخير في المنطقة. ونذكر على سبيل المثال، مطلع العام 2021، حيث أبرمت بكين اتفاقية “شراكة استراتيجية” مع طهران (…) وبدلاً من النظر إلى الشرق الأوسط كمصدر للطاقة فقط، تنظر الصين إلى علاقاتها من وجهة نظر سياسية ضد التهديد الداخلي الواضح تمامًا والذي يتجلى بالحركة الانفصالية بين الأويغور ذات الأغلبية المسلمة في منطقة شينجيانغ المتمتعة بالحكم الذاتي (…) ولطالما أمل القادة الصينيون بمنع الدعم الخارجي للانفصاليين الأويغور وخنق الشبكات الإسلامية عبر الحدود، من خلال تنمية علاقات أوثق مع أنظمة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

(…) ولا تعني حقيقة ارتباط سياسات الصين في الشرق الأوسط في الغالب باعتبارات اقتصادية وسياسية محلية، أن على واشنطن تجاهل السلوك الصيني في المنطقة. فلا تزال القيادة الصينية ملتزمة بالتحديث العسكري وبمنصات عرض القوة التي قد تؤثر على الشرق الأوسط. ويمكن قراءة المشاركة الصينية في فرقة عمل لمكافحة القرصنة في خليج عدن، على سبيل المثال، كالتزام بالتعاون الدولي. ولكن من شأن هذه التجربة أن تساعد أيضاً في إعداد البحرية الصينية لمهام مستقبلية بعيدة عن الساحل الصيني (…) ومع ذلك، لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن القادة الصينيين سيتبعون نفس القواعد في الشرق الأوسط، خصوصاً وأن بصمة واشنطن الأمنية متعددة الأجيال في جميع أنحاء المنطقة لا تحظى بقبول كبير لبكين. ومن شأن مثل هذا النهج الفظ أن يقوض الإنجازات الاقتصادية والدبلوماسية التي حققتها الصين.

ولا خلاف أخيراً على سعي كل من الولايات المتحدة والصين وراء مصالح مختلفة في الشرق الأوسط، وقلة هي الدلائل المتوفرة والتي تدعم الاستنتاج القائل بأن بكين تريد أن تحل محل واشنطن في المنطقة. لكن القيادة الصينية ستسعى إلى تحقيق أهدافها بغض النظر عن رغبات واشنطن. وفي ظل هذه الظروف، من غير المرجح أن يبحث الصينيون عن الصراع، فهم يفضلون بناء علاقات مع مجموعة من دول المنطقة لضمان وصولهم إلى النفط والأسواق. وبالتالي، ستترجم النتيجة بقدر كبير من المناورات مع الولايات المتحدة من أجل النفوذ، بينما تناور القوى الإقليمية بين واشنطن وبكين على أمل تجنب الاضطرار للاختيار بينهما (…) ومع ذلك، إذا بدأ الانسحاب الأميركي يتخذ طابع الانحسار الأميركي عن المنطقة، فقد يبدأ هؤلاء القادة بالابتعاد بدورهم. وفي هذه الحالة، قد تصبح الصين القوة المهيمنة في الشرق الأوسط على الرغم من افتقارها للنية الواضحة لانتزاع هذه المكانة”.

المصدر: foreign affairs

شارك المقال