تحليل بريطاني: ما يُزرع في درعا… يُحصد في سوريا

حسناء بو حرفوش

في حين تختصر رواية الذين لا يهتمون بشكل خاص بما يحصل في سوريا، بفشل الثورة وعودة الحكم الاستبدادي إلى معظم أنحاء البلاد، يواصل الشعب السوري المخاطرة بكل شيء للتأكيد على قصته، بحسب ما نقرأ في تحليل للكاتب جيمس دينسيلو على موقع “ليفانت” البريطاني (النسخة الانكليزية). ووفقاً للمقال، “ليس هناك من مثال أكثر وضوحاً على ذلك من محافظة درعا، حيث اشتعلت الانتفاضات في الأساس ضد النظام منذ عقد طويل ودامٍ. ومثلت عودة دمشق إلى دائرة الضوء ترسيخاً لوجود الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، على الرغم من عدم تسجيل أي انتصار واضح بالمعنى التقليدي للمصطلح. وبالنظر إلى العام 2018، دخلت الشرطة العسكرية الروسية المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في درعا وبوشرت المفاوضات لتسليم السلطة إلى النظام. وجمعت المعادلة بين القوة الجوية الروسية وهجمات النظام العشوائية مع التعبير عن الوعود بتأمين درجة معينة من الحكم الذاتي في حال انحنى المتمردون أمام دمشق. فتم تسليم الأسلحة الثقيلة وحصل البعض على العفو وعلى رخص المغادرة إلى أجزاء أخرى من البلاد أو الانضمام إلى قوات الأمن الجديدة المسؤولة عن المحافظة.

الدبلوماسية المدعومة بالعنف

من الواضح أن الروس اعتبروا أن الدبلوماسية المدعومة بالعنف خيارا أفضل من سحق المعارضة (…) ومع ذلك، تبدو ودرعا غارقة مجددا تحت نيران المدفعية وغارات الطائرات العسكرية حيث خرج التوازن غير المستقر الذي أرسته “صفقة” 2018، عن السيطرة. ويتنقل حوالي 50 ألف شخص هناك مجبرين على ترك منازلهم، وفقًا “للجنة المصالحة” التي تمثل حوالي 80٪ من السكان. كما ترافقت عودة القتال العنيف مع الاستخدام الواسع النطاق لأساليب الحصار. وحذرت الوكالات الإنسانية من أن حوالي 10 آلاف أسرة ترزح تحت الحصار ولا تحصل إلا على القليل من الغذاء أو الرعاية الطبية أو الأدوية أو الاحتياجات الإنسانية الأساسية. وتخضع مدينة درعا للحصار منذ 24 حزيران 2021، بينما يستمر الوضع الإنساني بالتدهور بسرعة. ووفقاً لمفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، يدور القتال في درعا وما حولها، ويخضع السبيل الوحيد للخروج، لسيطرة النظام السوري بشكل صارم. وتؤكد الصورة الصارخة التي تظهر من درعا البلد ومن أحياء أخرى على مدى تعرض المدنيين هناك للخطر وللقتال والعنف بشكل متكرر، وهم يرزحون في الواقع تحت الحصار.

وترتبط موجة العنف التي نشبت أخيراً في درعا باحتجاجات على خلفية مسرحية “انتخابات” الرئاسة السورية. وينذر ما تلاها بمستقبل خطير في سوريا، حيث أدت الاحتجاجات التي نشبت ضد الانتخابات، إلى حملة قمع عنيفة في كل مكان أدت بدورها إلى زيادة دائرة العنف، مع الإشارة إلى أن البلدان التي تمر بحرب أهلية، معرضة بنسبة حوالي 50٪ لاختبار انتكاسة وصراع في المستقبل. وعلى غرار رمزية استعادة النظام الاسمية لدرعا في العام 2018 وربطها برواية ترسيخ الأسد، تذكر أحداث اليوم الجميع بمدى ضحالة هذه السيطرة حقاً. حتى إن بعض التحليلات طرحت تساؤلات تتكهن: “هل بدأت نهاية الأسد؟”، ولكن في حين أن مثل هذا التفكير سابق لأوانه إلى حد ما، يبقى لاستراتيجية “المصالحة” التي يتبعها الأسد مؤشرات جدية على مستقبل البلاد. كما يضاعف وجود القوات الإيرانية والروسية الاستراتيجية في ساحة درعا من تعقيد ديناميكيات السيطرة. قد يؤدي عدم التنسيق بين المحاولات الإيرانية لتقوية الحلفاء المحليين مقابل المحاولات الروسية لتهدئة الأحداث إلى توترات قد تنسحب إلى طهران وموسكو، فيما يسلط ذلك الضوء على عجز دمشق في الأحداث التي تدور على الأرض السورية نفسها. وهذا بدوره قد يدفع النظام إلى تعميق قبضته لإعادة تأكيد سلطته ومحاولة السيطرة الكاملة على المنطقة، ما يهدد بتدمير أسس تسوية 2018 وربما ينذر بتصعيد الأحداث باتجاه فترة طويلة من القتال..

والأهم من ذلك كله، سلطت السنوات الثلاث الماضية في درعا، الضوء على الأحاديث الوهمية عن إعادة الإعمار والمتفجرات التي قد تهدد المباني التي ربما تم ترميمها في المحافظة. أثبتت درعا منذ فترة طويلة، في حكاية الصراع السوري، أنها نقطة فصل مركزي وأن اشتعال العنف فيها مجدداً ينذر بمثال عما قد يحصل في البلاد”.

شارك المقال