“حزب الله” يندس في مجموعات الثورة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

منذ أن اندلعت ثورة 17 تشرين وعين “حزب الله” الأمنية لم تغب عن الساحة، حتى قبل تشكل المجموعات وتجمعها في الخيم التي أحرقت ودمرت وتم الاعتداء عليها مرات عديدة، وقبل أن يبدأ القمع بقلع الأعين والملاحقات القضائية التي تطلبت متابعة لإطلاق سراح الناشطين، إلى أن جاء وباء كورونا وصارت ساحات وسط بيروت فارغة من ثوارها، لتبقى الشعارات وحدها شاهدة على غضب اللبنانيين.

كثيراً ما سمعنا أن بعض أكثر المتحمسين للثورة من قادة مجموعات الأحياء الشعبية في المدن المتمردة على سلطة النظام الفاسد وزعمائه تحت شعار “كلن يعني كلن”، مشكوك بأمره. بعضهم تردد أنهم من أحزاب “الممانعة”، وآخرون يخدمون أجندات خارجية، والبعض أشير إليه بتعاطفه مع حزب الله. وطالما كان الثوار مستبعدين جمع حزب الله إلى جانب أحزاب السلطة الفاسدة، في محاولة لإقناع الجمهور اللبناني بأنه مقاومة ولا علاقة له بالفساد. لكن يوماً بعد يوم كان الجمهور يكتشف عبر ممارسات ومواقف حزب الله من الثورة، والاتهامات التي وجهها للثوار بكونهم “خدام السفارات”، فانفجر “حليب النور” كما يقولون ليوضع مجسم السيد حسن نصر الله تحت المشنقة إلى جانب الآخرين.. وتسقط الهالة.

اليوم يقوم حزب الله باختراق مجموعات الثورة عن طريق دس أشخاص من “المتكلمين”، الذين تجري متابعتهم في “غروبات” الثورة المنتشرة، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو “الواتس اب”. وتجري نقاشات حامية واتهامات مباشرة وتحذيرات من بعض الأسماء. وباتت بعض الأسماء المحددة أعضاء في أكثر من مجموعة، ما يعني أن عينها تتوسع وهي تستقطب النقاش السلبي، لكشف التوجهات، ما يساعد في تغذية تقاريرها الأمنية التي ترفع إلى دوائر حزب الله، إضافة إلى أن بعض المجموعات تضم إعلاميين معروفين بالترويج لحزب الله وان برزوا بصورة الحياد، إلا أن منطق الدفاع عما يسمونه “مقاومة” التي بات عملها العسكري في الخارج ومهماتها هي الاغتيال والترهيب في الداخل للمعارضين والاستعراضات العسكرية المكشوفة الأهداف.

بعض الناشطين يعتبر أنه لا يجوز استبعاد ناشطين مؤيدين لحزب الله، وأن القضية الاجتماعية تجمع الكل، وهو كلام حق، لكن ماذا لو كان يراد به باطل، كما يقول آخرون خبروا حزب الله وتعاطيه، لا سيما ثوار الجنوب والبقاع.

لقاءات مع صفا وكوادر الحزب

واللافت حسب معلومات قالها لنا ناشطون رفضوا ذكر أسمائهم، حفاظاً على أمنهم وأمن عائلاتهم المهدد، بأن هناك مجموعات تقول علناً بأنها تجتمع مع قيادات أمنية في حزب الله ومع كوادر من الحزب، وتعطي مثالاً على ذلك الناشط الشاب المسيحي الذي كان متواجداً في ساحة الشهداء ومحركاً لمجموعة كبيرة حوله وقوية ممن رفعوا دعوى في قضية الاعتداء على شاطئ الرملة البيضاء وربحوها. اعترف أنه اجتمع مع مسؤولين من الحزب، وتحديداً جرى لقاء بينه وبين الحاج وفيق صفا المسؤول الأمني، موضحاً عندما سئل عن ذلك أنه تناقش معه “بحجة التعاون ومن أجل أن نفهمكم وتفهمونا”. لاحقا تبين أن حزب الله سيطر على هذه المجموعة بحجة مقاومة إسرائيل. لذلك نبذته المجموعات الأخرى ولم تعد تثق به.

شعيب: الثورة اختُرقت وخُوّنت لإسقاطها

وللإضاءة على هذا الموضوع التقينا منسق عام “جنوبيون مستقلون” محمود شعيب، فأوضح لــ “لبنان الكبير” قائلاً: بداية مجموعته هي مجموعة جنوبية فاعلة بالثورة، تؤمن بالحياد الإيجابي والسيادة وحصر السلاح المتفلت بيد الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، وهي شريكة مع أغلب المجموعات في كل لبنان وتعمل ضمن مجموعة our new Lebanon  المتواجدة في الاغتراب”.

يتهم شعيب أحزاب السلطة بمحاولة اختراق الثورة منذ بدايتها، فمنهم من أراد الاستثمار بها للضغط على بقية الأحزاب بالسلطة، مثل “تيار المستقبل” و”التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية”. ومنهم من يريد حصر تحركها بمصرف لبنان والمصارف، بغية الابتزاز لا المحاسبة. ومنهم، مثل حزب الله الذي زرع مجموعات وأشخاصاً وحتى أحزاباً، بغية توجيه وحرف الثورة عن مسارها الطبيعي، أي  إسقاط النظام الطائفي كله، وعمل على تخوين الثوار المستقلين وتشويه سمعتهم”.

وإذ يعلن رفضه “بالكامل محاولات حزب الله لتبرئة نفسه أمام جمهوره بالقول إنه لم يشارك بالفساد، لكن الحقيقة بالنسبة لنا أنه هو حامي وراعي كل الفاسدين في البلد”. يشير إلى أن “العلاقة مع مجموعات وأشخاص مندسين في صفوف الثورة، هي علاقة تصادم لا حوار، لأن مهمة هؤلاء زعزعة الثقة بالثوار وتخوينهم لإحباط أهداف الثورة”.

وعن كيفية حماية مجموعات الثورة في “غروبات” وسائل التواصل الاجتماعي، يشدد على أن ذلك يكون “بتشكيل جيش إلكتروني على غرار الموجود عندهم وتعريتهم ونبذهم كما يحصل حالياً”.

أما عن تأثيرهم في الرأي العام، فيرى شعيب “أنهم يؤثرون على الرأي العام الذي يتعاطف مع المقاومة، حيث يتهمون الثوار الشيعة بأنهم “شيعة السفارات”، سواء الأميركية أو الأوروبية أو السعودية”. محذراً الثوار من الإشاعات التي يبثها “حزب الله” عبر جيشه الإلكتروني “ضمن مجتمعنا الشيعي، خاصة أن المجتمع الشيعي مجتمع عاطفي”.

ويوضح أنه “من الضروري نبذهم من صفوف الثورة وعدم المشاركة بتحركاتهم، والعمل على فضحهم وتعريتهم وإفشال مخططاتهم”.

ويشدد على أن المجموعة تؤمن “بالجيش والقوى الأمنية الشرعية والقضاء اللبناني، وفي كل محاولة اعتداء علينا كنا نلجأ للجيش والقوى الأمنية والقضاء، وحالياً لدينا عدة دعاوى أمام القضاء في النبطية”.

وتوضيحاً، ضد من الدعاوى؟ ولماذا رفعت؟ يجيب: على أعضاء في “حزب الله”، وعلى رئيس بلدية النبطية، ورئيس الشرطة مازن نحلة، وثلاثة أفراد من الشرطة خطفوا وحجزوا حرية ابنتي القاصر وعد شعيب، البالغة من العمر 14 عاماً، التي كانت تُشارك مع مجموعة أشخاص بإجراء استبيانات حول الانتخابات النيابية، تتضمّن ثلاثة أسئلة:

ــ هل تؤيّدون إجراء انتخابات مُبكرة؟

ــ هل ستدعمون مرشّحين من الثورة؟

ــ وهل أنتم مع رقابة دولية على الانتخابات؟

ويقول: “الأسئلة لم ترُق لجماعة حزب الله، فأتوا من “جمعية الإرشاد” في مدينة النبطية بقيادة الحزبيّ عباس صبوري، واحتجزوا ابنتي بالقوّة، وأجبروها على الاتصال بزملائها بهدف أن يتم احتجازهم جميعاً”.

وأفاد أنه تواصل مع أحد المسؤولين الأمنيين في المنطقة، محذّراً من أنه إن لم تتحرّك الأجهزة الأمنية الرسمية وتُطلق سراح الفتاة “رح يسقط دم”. وعلى إثر ذلك وصلني اتصال من أحد قادة الأجهزة الأمنية أبلغني فيه أن ابنتي صارت حرة بعد أكثر من ثلاث ساعات على احتجازها. وبعد تحذيري القضاء في النبطية بضرورة معاقبة المتورطين وإلا فإن التحركات الشعبية ستعم الشارع في المدينة.

ويشدد شعيب على “أهمية استمرار النضال السلمي من أجل تحقيق أهداف ومبادئ ثورة ١٧ تشرين، وخوض خيار خوض الانتخابات النيابية، صحيح أن الوضع صعب جداً، لكن مجبرون على مواصلة الطريق”.

عطوي: “حزب الله يزرع ناس بتعرف تحكي”

وتؤكد الناشطة المدنية منى عطوي على ما قاله شعيب من أن حزب الله يخترق صفوف الثوار في كل المجموعات، عبر أشخاص “بتفهم تحكي”، حسب تعبيرها، من أجل إحداث شرخ أو حرف الثورة عن مسارها بذكاء، فالحزب يخترق أي  تحرك ويغير مساره”.

وتوضيحاً تقول: “تكون المجموعات تعمل لحشد الناس على منزل رئيس مجلس النواب مثلاً، فتعمل مجموعاته حملة مضادة لتوجه الحشد على بعبدا، التي ليس بإمكاننا الوصول اليها نظراً للإجراءات الأمنية. ورأسمال التجمع يكون عند الحازمية قرب محل “الهوا تشيكن”، وبالتالي تخرج أصوات للذهاب إلى بعبدا، ويفشل التجمع ضد بري. ومن خبرتنا صرنا نعرف جيداً  الآن من هم الذين يقدمون اقتراحات بشكل عفوي، ومن هم الذين يتعاطون بذكاء ويتحدثون في المجموعات بكلام يقنع الآخرين. ولكن صرنا نعرف من يتبع هؤلاء الأفراد وسياسة من يخدمون، ومنهم (ح.س) الذي يخوض نقاشات ويوجه اتهامات، وصار معروفاً هو ومجموعته لمن يتبع”.

وتجد أن جزءاً من فشل تحركات الثوار يعود إلى هؤلاء الأشخاص الذين يدسهم حزب الله في صفوف المجموعات، للعب بعقل بعض الأشخاص بهدف إفشال التحركات. ورغم ذلك نناقش هؤلاء بأسلوب حضاري، وغالباً ما يزايدون علينا في شعار “كلن يعني كلن” ليزيدوا عليه “وعلى راسهم حزب الله”، وهذا ما يدفعنا إلى الشك بكلام هؤلاء”.

وعن الأحزاب المرتبطة بحزب الله ودورها تقول: “لنعط مثل الشيوعيين، عندما ينزلون في أي  تحرك بيخربوا الدنيا وكل شيء، ومشكلة الجميزة التي حصلت يوم 4 آب، ليست المرة الأولى من نوعها من أجل الكوفية، ولكن عندما ينزل الطلاب تكون مسيرتهم مختلفة، ويكونون مدعومين من مجموعات على الأرض، وهذه المجموعات كانت منتمية لأحزاب ولها دراية ومعرفة في كيفية التعاطي مع الطلاب، ونعرفهم فالبلد صغير وكل واحد عنده أقارب وأصدقاء وفيسبوك. وما حصل في الجميزة كان مخططاً له لافتعال مشكلة، بحجة الرد على الرجل الذي تلقى الضرب من “قواتيين” لأنه أشار على طالب أن يحمل العلم اللبناني بدل علم القوات الذي كان يحمله وهو آت من تجمع قواتي.

وتجد أن “حزب الله يتعاطى بذكاء مع مجموعات الثورة، لكنهم لا يعتدون على أحد، فالمهمة هذه تتولاها حركة أمل، ولكن هم يراقبون كل المجموعات ويعملون على استقطاب شبان من الثورة تم الالتفاف حولهم من مندسي الحزب، فتغير منطقهم وتراجعوا، وبذلك ينجح الحزب في تكتيكاته، ما يشكل خطورة على الثوار”.

إنها الثورة، وفي تاريخ الثورات الكثير من الكلام المباح وغير المباح.

شارك المقال