لماذا يثور الأميركيون ضد إسرائيل؟

عاصم عبد الرحمن

هي سيدة العالم على الصعد كافة خصوصاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وصناعياً وتكنولوجياً وتربوياً وطبياً وحتى خيالياً وخرافياً وأسطورياً، إنها الولايات المتحدة الأميركية التي تسبق معظم العالم مئتي عام من التطور، ليس كمثلها شيء على الأرض، صانعة أمجاد وهادمة عروش وراسمة سيناريوهات. ومما تتباهى بصناعته وفق تعبير الرئيس جو بايدن بكلفة 3 مليارات دولار هو الكيان الإسرائيلي الذي يُسقط الجبروت الأميركي تحت أقدام مشروعه الهادم حتى لو احترق العالم برمته. فلماذا إذاً انفجر غضب الأميركيين وخصوصاً الجامعيون في وجه اليهود؟

ماذا قال الرئيس الأميركي عن اليهود؟

في خطابه حول دستور الولايات المتحدة الأميركية عام 1789، حذَّر الرئيس الأميركي بنجامين فرانكلين أبرز الآباء المؤسسين للدولة وأحد أهم كتَّاب وثيقة إستقلالها ودستورها وتحتل صورته الـ 100 دولار، الشعبَ الأميركي من خطر اليهود، قائلاً: “أيها السادة، في كل أرض حلَّ بها اليهود أطاحوا المستوى الخُلُقي وأفسدوا التجارة فيها، وإذا لم يطرد هؤلاء من البلاد فإن سيلَهُم سيتدفق إلى الولايات المتحدة في غضون مئة عام إلى حد يقدرون معه على أن يحكموا شعبنا ويدمروه ويغيروا شكل الحكم الذي بذلنا في سبيله دماءنا وضحينا له بأرواحنا وممتلكاتنا وحرياتنا الفردية، ولن تمضي مئتا سنة حتى يكون مصير أحفادنا العمل في الحقول لإطعام اليهود، في حين يبقون في البيوتات المالية يفركون أيديهم مغتبطين. إنني أحذركم أيها السادة إن لم تبعدوا اليهود نهائياً فسوف يلعنكم أبناؤكم وأحفادكم في قبوركم. إن اليهود لن يتخذوا مُثُلنا العليا ولو عاشوا بين ظهرانينا عشرة أجيال، فالفهد لا يستطيع إبدال جلده الأرقط. إن اليهود خطر على هذه البلاد، وإذا سُمح لهم بحرية الدخول فإنهم سينقضّون على مؤسساتنا، لذلك لا بد من إبعادهم بنص الدستور”.

اليهود من وجهة نظر علمية أميركية

قام الباحثان الأميركيان عميد مدرسة كينيدي للدراسات الحكومية في جامعة هارفارد ستيفن وولت، والبروفيسور في العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر بإعداد دراسة أكاديمية نُشرت في مجلة “لندن ريفيو أوف بوكس” بتاريخ 23 آذار 2006، ناقشا فيها بكل جرأة ووضوح مستوى خطورة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ودوره في السيطرة على السياسة الأميركية خصوصاً الداعمة لإسرائيل، واستراتيجيته في التأثير على مراكز صنع القرار، وانعكاسات هذا التأثير على السياسة الأميركية الخارجية، والدور الذي لعبه هذا اللوبي في دفع الولايات المتحدة إلى غزو العراق لحساب إسرائيل، وإلى القيام بانتهاكات واسعة ضد العالم الاسلامي وتطويعها لدعم سياسة الكيان الصهيوني في المنطقة العربية، والتأثير المباشر على مؤسسات البحث وحلقات النقاش في الجامعات الأميركية، ودوره في مراقبة ما ينشره الأساتذة وما يكتبونه في الدوريات والمجلات العلمية.

وتطرق الأكاديميان إلى مكمن الخطورة في أن يمتد هذا التأثير بصورة أعمق وأبعد، وأن يصل إلى درجة أن تصبح السياسة الأميركية بأكملها مخطوفة في يد حركة عنصرية سياسية استعمارية تقوم عقيدتها على فلسفة عقائدية تقول: “إن اليهود شعب الله المختار، وإن أرواح بني إسرائيل تتميز عن باقي الأرواح، وهي جزء من الله، والأرواح الأخرى شيطانية شبيهة بأرواح الحيوانات، والاسرائيلي معتبر عند الله أكثر من الملائكة، وإن من حق اليهود أن يفنوا غيرهم من البشر…”.

اليهود من وجهة نظر يهودية

في كتابه الذي يحمل عنوان “اليهودي العالمي: المشكلة العالمية الأولى” الصادر عام 1920، يستعرض الأسطورة المالية والصناعية والصُحُفية والسياسية اليهودي الأميركي هنري فورد بداية تاريخ اليهود في الولايات المتحدة منذ أن حمل كريستوفر كولومبوس مكتشف القارة الأميركية طلائعهم من إسبانيا عام 1492، وكان اليهود قد ساعدوه بما لهم من إمكانات في البلاط الإسباني، إذ كانوا يتطلعون إليها على أنها حقل مثمر، ساعدتهم في ذلك الرساميل الكبيرة التي كانت بحوزتهم. وقد عملوا لدى وصولهم في الصناعات الحيوية كالمسرح والسينما واللحوم المعلبة وصناعة الأحذية وإصدار الصحف والمجلات ومنح القروض في الحقلين القومي والدولي.

ازدهرت التجارة اليهودية في الولايات المتحدة وسط عدم رضى من الشعب الأميركي لحذره مما ارتكبه الرأسمال اليهودي من قبل في إسبانيا وبريطانيا وألمانيا من تجاوزات كان اليهود يقومون بها وينسبونها إلى حكومات تلك الدول، إلا أنَّ سلطة المال عادت وفرضت نفسها في الولايات المتحدة.

والأخطر من ذلك كان تغلغل النفوذ اليهودي في الكنيسة المسيحية حيث رسخ اليهود فكرة أنهم شعب الله المختار، زرعوا أفكارهم في المدارس والجامعات مستغلين توق الشباب الى الحرية وحبهم للمغامرة واللعب بالعقائد القديمة، ليصبحوا فيما بعد تحت سيطرة ما يبثه اليهود من أفكار. لذا حذر الكاتب هنري فورد جيل الشباب الأميركي مما يسعى إليه اليهود من هدم وتمزيق للقيم الأصيلة تحت ستار العلمانية والليبرالية ودعاهم إلى محاربة الأفكار الهدامة والزيف اليهودي.

الأميركيون والانتفاضة ضد إسرائيل

يبدو واضحاً أن جيل الشباب الأميركي الحالي أكثر شجاعة ومعرفة من الجيل الذي سبقه، إذ ضاق ذرعاً بإخضاع بلاده على الصعد كافة لغايات مصلحية وإيديولوجية في نفس إسرائيل والصهيونية فانتفض في وجه الهيمنة اليهودية على العالم عبر تفجير غضبه ازاء الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.

في هذا السياق، يقول رئيس قسم حقوق الإنسان في “جامعة الجنان” اللبنانية الدكتور اسكندر سكر لـ “لبنان الكبير”: “تذكرني انتفاضة الجامعات الأميركية بانتفاضة 1968 ووقوف الشباب ضد حرب فيتنام. ليس ثمة شك في أن الشعب الأميركي هو غير حكومته، فآلية انتخاب هذه الأخيرة هي في المقام الأول والأخير خاضعة للقوى المالية الكبيرة وأهمها المجمع الصناعي – العسكري ومصرف آل روتشيلد، بينما هموم الناس ومشاغلهم في مكان آخر. نظام العمل وغياب الضمانات الاجتماعية تجعل المواطن الأميركي مهتماً بما يؤمن له عيشاً كريماً وحسب. إن النبض الحقيقي يتمثل في الشباب الجامعي الناشئ على قيم معينة أهمها حقوق الإنسان والعدالة”.

يضيف سكر: “أنت لا تدري مقدار الكره الذي يكنه الأميركيون العاديون لليهود كعَبَدة مال ورعاة فساد على المستويات كافة. إن جهل معظم الأميركيين بقضية فلسطين عائد في المقام الأول إلى أن العرب لم يكلفوا أنفسهم عناء شراء صحيفة أو وسيلة إعلامية لتسويق أفكارهم وقضاياهم، هذا ما يؤكده السفير الأميركي من أصل لبناني فيليب حبيب في كتابه ملعون صانع السلام. ففي غياب تاريخي للإعلام العربي عن التعريف بالقضية الفلسطينية والحقوق العربية، خلت الساحة لإعلام إسرائيلي موجه ولنشاط اللوبي اليهودي لشراء الذمم ونشر الفساد لابتزاز السياسيين، هكذا تمت السيطرة على مفاصل السياسة الأميركية. ومن محاسن التكنولوجيا انتشار وسائل التواصل الاجتماعي إذ أصبح العالم أكثر انفتاحاً وصارت للمواطن العادي القدرة على أن يكون مراسلاً يعرض وجهة نظره ويوصل مظلوميته بالصوت والصورة. كل هذا أثر بصورة هائلة على الجامعيين الأميركيين والأوروبيين فكان ما تراه الآن وهذا ما ستكون له نتائج آنية ومستقبلية كبيرة إن أحسن العرب والفلسطينيون استثمارها”.

ويختم سكر بالقول: “على الصعيد الديني قسَّم اليهود الكنيسة الإنجيلية المشيخية التي كانت الأكبر على صعيد الولايات المتحدة وأسسوا كنائس تماشيهم دعموها بالمال تقوم أيديولوجيتها على التسويق لإسرائيل ودعمها واعتبار عودة المسيح حتمية بعد تجميع اليهود في إسرائيل استناداً إلى تلفيق وإسقاط إيديولوجيين قائمين على تفسير نبوءات من العهد القديم بصورة متحيزة وغير علمية، ولم يكتفوا بذلك بل نشروا دعوتهم في كنائس وطوائف أخرى وهو ما بات يُعرف بالمسيحية الصهيونية. ثم إنَّ مقابل كل يهودي مؤيد للصهيونية هناك 30 مسيحياً صهيونياً، هذا عدا عن المسلمين المؤيدين لها. وكان الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام تينيت قد قال: سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا”.

هكذا إذاً، يبدو أنَّ الإنفجار الطلابي الأميركي الذي طالت شظاياه أهم جامعات العالم ليس حبة رمانٍ بل قلبٌ ملآنٍ. فقد ضاق الأميركيون خصوصاً الفئات الشبابية منهم ذرعاً بتسخير مقدراتهم واستغلال كفاءاتهم خدمةً لمشروع صهيوني لا طائل لهم منه سوى مزيد من الكراهية والإحباط نتيجة لتزايد نقمة الشعوب المقهورة على بلاد العم سام مدَّعي الحريات العامة ورافع شعار حقوق الإنسان، مبادئٌ خرج طلابها من صفحات دروسها النظرية التي يملأ حبرها أوراق كتبهم إلى رحاب تطبيقها في ميادين التحرر والإنسانية والكرامة.

شارك المقال