“الايقاع صفر”… عندما تسقط الدولة

محمد شمس الدين

انتشرت الجرائم منذ مدة بصورة كبيرة، سرقات و”تشليح” وقتل وتحرش واغتصاب، ومؤخراً كشف عن شبكة اغتصاب قاصرين تعمل عبر التطبيق الشهير “تيك توك” ضجّ بها الرأي العام اللبناني، وتبعتها جريمة في أحد الفنادق، واغتصاب قاصر في عكار، وتم التدوال أمس باسم شخصية نافذة متهمة بالتحرش، فماذا يحصل؟ لماذا تفلتت الجرائم بهذا الشكل الكبير؟

عام 1974 قررت فنانة صربية تدعى مارينا أبراموفيتش أن تقوم بعرض فني سمّته “الايقاع صفر” تقف فيه لمدة 6 ساعات متواصلة أمام الجمهور من دون حراك، ووضعت أمامه طاولة عليها أكثر من 72 أداة: ريش، شوكولا، مقص، أزهار، سكين، مسدس، بعض الرصاص وسلاسل حديدية، وغيرها الكثير وعلقت لافتة كتب عليها: “أنا الهدف، خلال هذه الفترة أتحمّل المسؤولية كاملة، المدّة: 6 ساعات”.

في البداية كانت ردود الفعل مسالمةً جداً، الكلّ يبتسم لها، بعضهم وضع وردةً في يديها، والبعض الآخر أطعمها قطع الحلوى، وهناك من عانقها وقبلها، ولكن بعد مرور بعض الوقت، بدأ الأمر يسلك منحى خطيراً جدّاً ومغايراً، اذ تحولت ردود الفعل السّابقة الى ردود عنيفة ومرعبة، فقد حمل أحدهم المقصّ وبدأ بقص ملابسها، وآخر أراد أن يغتصبها، وهناك من أهانها، ومن حمل سكّيناً وغرسه في قطعة خشب موضوعة بين ساقيها لمحاولة إرعابها، ووصل الأمر إلى حدّ توجيه أحدهم المسدّس نحوها رغبةً في قتلها، كلّ ذلك على الرغم من عدم معرفتهم بها، وانعدام وجود أي دافع حقيقي أو سوابق بينها وبينهم.

التجربة تحولت إلى فيلم رعب حقيقي، بطلته “الضحية” ابراموفيتش، ما أعطى نظرة قاتمة عن سلوك البشر في ظل غياب العواقب، وهي شبيهة بتجربة ميلغرام أو تجربة سجن ستانفورد. ففي تجربة عالم النفس الاجتماعي ستانلي ميلغرام وباختصار ظن المشاركون أنهم يجرون اختبارات تعليم، بحيث ينقسمون إلى معلم ومتعلم، ويقوم الأول بصعق الثاني إذا أخطأ الاجابة، ولم يكن المتعلم يعلم أن المعلم هو ممثل ولا يتلقى صعقة كهربائية حقيقية. وفي منتصف الاختبار كان المعلم يبدي خوفه من الاستمرار فيه خوفاً على حياة المتعلم، ولكن عندما تمت طمأنته بأنه لن يتحمل العواقب، أكمل أكثر من 50% الاختبار غير آبهين بحياة المتعلم، التي لم تكن فعلاً في خطر.

وكذلك في تجربة سجن ستانفورد الذي كان عبارة عن محاكاة لسجن حقيقي بحيث شارك فيها 70 شخصاً استجابوا للإعلان في الجريدة، غالبيتهم من طلاب الجامعات، وحالتهم المادية متوسطة. قسمت المجموعة عشوائياً إلى اثنتين متساويتين مساجين وحراس، وخلال التجربة ازداد السلوك السادي عند بعض الحراس، خصوصاً خلال الليل حين ظنوا أن الكاميرات كانت مطفأة، وقال المشرفون على الاختبار ان واحداً من كل ثلاثة حراس تقريباً أظهر ميولاً سادية حقيقية. معظم الحراس انزعج عندما أجهضت التجربة قبل الوقت المحدد لها.

ومجدداً، عندما اعتقد البشر أن ليست هناك عواقب، أظهروا اجراماً وعنفاً، وبالتالي ما يحصل في لبنان في الفترة الأخيرة ليس غريباً فعلاً، ففي عقل هؤلاء المجرمين والقتلة والمغتصبين، أنه لن تتم معاقبتهم، لظنهم أن الدولة منهارة ومنشغلة بأحداث الجنوب، لدرجة أن ليس لديها وقت لهم، أو أن لديهم صلات مع نافذين سيحمونهم، فأطلقوا العنان لكل انحرافاتهم واجرامهم، غير آبهين بالحيوات التي يدمرونها في طريقهم.

شارك المقال