كل بلاء لبنان في موضوع اللاجئين السوريين يعود سببه إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، فهو المسؤول الأول عن قتل شعبه وتهجيره إلى كل أنحاء العالم، ويخفي نوايا خبيثة تبدأ بالتغيير الديموغرافي في سوريا ولا تنتهي بابتزاز المجتمع الدولي لرفع العقوبات عن نظامه وإعادة اعمار سوريا!
وآخر المؤشرات على هذه النوايا ما كشفه أمس الأول الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله وهو حليف الأسد، داعياً الى فتح البحر اللبناني أمام مغادرة جماعية للاجئين السوريين الى أوروبا. كما دعا السلطات اللبنانية الى التنسيق مع سوريا والعمل معاً على رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن نظام الأسد. وبالتالي كل شيء أصبح واضحاً، فالأسد تزعجه عقوبات قانون قيصر، ويريد من السلطات اللبنانية أن تفتح البحر أمام اللاجئين للإتجاه نحو أوروبا، بغية إجبارها على التواصل معه ورصد الأموال لإعادة اعمار سوريا! علماً أن أوروبا تُدرك لعبة الأسد، لذلك لا تزال تتعامل مع دعواته بإستخفاف، بدليل أن مؤتمر بروكسل المخصص للنزوح السوري والذي سيعقد هذا الشهر لم يوجّه دعوة إلى نظام الأسد للمشاركة فيه، ما دفعه إلى التدخّل في الشؤون اللبنانية كما كان يفعل أيام الوصاية، بعدما وجّه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد رسالة قبل أيام الى وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب يُحذّره من تقديم “تعهّدات” في مؤتمر بروكسل من دون التنسيق مع الحكومة السورية. وبكل وقاحة، برّر المقداد إملاءات نظامه على لبنان بما سمّاه “التغييب المتعمّد” لنظام الأسد عن المؤتمر الأوروبي.
لم يصل ملف اللاجئين السوريين في لبنان إلى هذا المستوى من الخطر إلا بسبب ممارسات الأسد وتقاعس المسؤولين اللبنانيين، وخصوصاً الحكومات التي ترأسها نجيب ميقاتي وضمّت وزراء لفريق الممانعة و”التيار الوطني الحر” بدءاً من العام 2011.
ولا بد من الرجوع قليلاً إلى الوراء لإثبات الجريمة التي ارتكبها الأسد بحق سوريا ولبنان وكل الدول المجاورة، والبداية كانت مع ثورة الشعب السوري السلمية غير المسلّحة عام 2011، إلا أن الأسد عدوّ الحرية والديموقراطية الأول في الشرق، لم يترك وسيلة عنفيّة إلا واستخدمها ضد المتظاهرين العزّل، فبدأ بالاعتقالات بالجملة، حتى بلغ به الأمر أن يأسر الأطفال ويقتلهم في أقبية المخابرات السورية، ولما تعاظمت الوقائع الجرميّة بدأت طلائع قوافل النزوح نحو لبنان… وبعدها اندلعت المعارك في القصير والطفيل والقلمون على يد حليفه “الحزب” الذي تورّط منذ العام 2015 في قمع السوريين بل قتل كل من يعارض النظام، وبعد كل معركة كان النزوح يشتد، فالأسد ونصر الله متورطان من أخمص القدمين حتى هامة الرأس في ديمومة هذا النزوح وتفاقمه.
والمسألة أصبحت أكثر خطورة مع إنكشاف كل خيوط اللعبة: ترانسفير داخلي وخارجي وتطهير طائفي كان المخطط له استبدال سوريين من طائفة معيّنة بـ”مجنسين أو مرتزقين” من طائفة أخرى، لذلك مخططات الأسد للتغيير الديموغرافي تشمل سوريا ولبنان، وهي قنبلة موقوتة تقضي بدفع أبناء الطائفة السنيّة المعارضين للأسد في سوريا، الى النزوح باتجاه لبنان، وابقاء الموالين لنظامه فقط وهذا ما عبّر عنه مراراً بمجتمع سوري متجانس، من هنا نفهم قيامه بعرقلة ورفض ومنع أي عودة للاجئين من لبنان المتكبّد الفاتورة الأكبر.
وما حصل منذ العام 2011 وحتى اليوم يثبت أن دعوات فريق الممانعة للتفاوض مع النظام السوري من أجل حلّ ملف اللاجئين، كانت كلّها فاشلة، وزيارات اللواء عباس ابراهيم المتتالية إلى دمشق شاهدة على ذلك، فالنظام يراوغ، ويخلق الذرائع والموانع لوقف أي مباحثات في هذا الشأن: مرة يشترط تطبيع العلاقات مع لبنان، ومرة أخرى “ينيّم” المسؤولين اللبنانيين على حرير الوعود، ومرة يربط عودة اللاجئين بالامكانات، وهذا ليس سوى انعكاس لحقيقة واحدة: الأسد لا يريد أن يعود هؤلاء اللاجئون! وقد يكون ما فعله عام 2020 أكبر دليل على ذلك، وهو يعرف أن بعض اللاجئين هارب من الخدمة العسكرية، فأصدر مرسوماً تشريعياً استباقياً عدّل بموجبه قانون بدل الخدمة العسكرية للمقيمين خارج البلاد، رفع فيه سعر “الحرية” من الخدمة الإلزامية اللامحدودة الزمن في رسالة الى اللاجئين تقول بصورة صارخة: “لا تعودوا”! إضافة إلى ذلك، فهو لا يشجعهم على العودة بسبب عدم البدء بإعادة إعمار المناطق المدمرة، والامتناع عن الكشف عن عشرات الآلاف من المفقودين.
وما بات واضحاً ولا يقبل الجدل أن الأسد المعاقب دولياً وخصوصاً في ظل قانون قيصر، يعرف أن اقتصاده منهار والنقمة الشعبية تعود كل فترة إلى شوارعه بتظاهرات نتيجة وقوع أكثر 80 في المئة من الشعب السوري تحت خط الفقر، لذلك لا ييأس الأسد من الألعاب القذرة، ولم يكتفِ بتهجير أكثر من 13 مليون نسمة، بل جوّع شعبه المقيم اليوم في سوريا وعدده لا يتجاوز الـ6 ملايين متموضعاً في محور الممانعة التابع لإيران من دون استعداد للخروج من هذا المحور الذي أدى إلى نشر التخلّف في دول عدة، فصمّم على دفع شعبه الى مزيد من النزوح نحو الدول المجاورة، ولا سيما إلى لبنان بمبررات اقتصادية، مستفيداً من حالة الحدود السائبة بين سوريا ولبنان التي يسيطر عليها “الحزب”، فتدفّق الآلاف على نحو غير شرعي وقانوني، والهدف افتعال أزمة لإبتزاز المجتمع الدولي وإرغامه على رفع العقوبات عنه وتقديم المساعدات المالية له كي لا يتوافد هؤلاء إلى أوروبا الخائفة من الهجرة غير الشرعية بواسطة البحر.
ولا شك في أن بعض الأمور التي تحيط بملف اللاجئين السوريين في لبنان مشوه إلى حدّ كبير، وما حصل في الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة عام 2021 أن أكثر من مليون سوري في لبنان انتخب بشار الأسد، وتبيّن أن لا مشكلة سياسية أو أمنية أو قانونية تمنع هؤلاء من العودة الآمنة والكريمة الى بلادهم مع عائلاتهم. إلا أن السلطات اللبنانية المؤتمرة من “حزب الله” والمتآمرة مع النظام السوري لم تتحرّك!
وتعتبر مصادر في المعارضة أن “النظام السوري لم تتغيّر نظرته حيال لبنان، وقد حاول حليفه رئيس الجمهورية السابق ميشال عون أن يتعاون معه في كثير من الملفات ولم يفلح، فهذا النظام يأخذ ولا يعطي، إذ لم يتمكن عون من إعادة اللاجئين ولا من ترسيم الحدود ولا من الاستحصال على وثيقة تُثبت لبنانية مزارع شبعا ولا من ضبط الحدود منعاً للتهريب والتخريب ولا من كشف مصير المعتقلين في السجون السورية ولا من توقيف من خطط وفجّر مسجدي التقوى والسلام ولا من إقفال المعابر غير الشرعية ولا ضبط المعابر الشرعية بين لبنان وسوريا”.
وترى المصادر أنّ “النظام السوري الذي قتل شعبه وهجره قصداً وعمداً ليس في وارد إعادته إلى وطنه، وسيواصل مناوراته وخلق الحجج والذرائع من أجل إبقاء هذا الملف عرضة للمزايدات والبيع والشراء، ولكن لا علاقة للبنانيين بما يقوم به الأسد، وما يعنيهم فقط هو أن مسؤولية إعادتهم تقع على عاتق الدولة اللبنانية، على الأقل، إلزام المقيمين السوريين غير الشرعيين بالعودة إلى سوريا”.
ما تطالب به المعارضة، وفق المصادر، أن تتخذ حكومة تصريف الأعمال منذ الآن وصاعداً كل التدابير اللازمة والضروريّة والملحّة وبكلّ دقّة لمنع أي تسلُّل من سوريا وتحديداً من الجهتين الشماليّة والشرقيّة من الدخول إلى لبنان، خصوصاً أنّ المطلوب من الحكومة معالجة أزمة اللاجئين القائمة وليس مفاقمة هذه الأزمة.
وتضيف: “للأسف لم نلمس أيّ خطوات عمليّة تترجم من خلال بدء إنهاء أزمة اللجوء السوري في لبنان، فيما المطلوب بالتوازي مع منع التسلُّل من سوريا باتّجاه لبنان، إعادة النازحين الذين دخلوا بطريقة غير شرعية فوراً من لبنان باتّجاه سوريا”.
ولا تجد المصادر أي مانع من عودة اللاجئين السوريين عموماً، إلى ديارهم، “وخصوصاً أن الأمن في سوريا استتب، وبإمكان جماعة النظام ومعارضيهم العودة إلى المناطق العائدة للنظام والمعارضة، وبالتالي لا حجة إطلاقاً لاستمرارهم في لبنان”.
في المحصلة، ان ملف اللاجئين السوريّين أخضع للدرس والتشاور والبحث والمؤتمرات والمذكرات والمراسلات والاجتماعات واللقاءات، وبات يشكّل عبئاً كبيراً على اللبنانيّين، وهناك مَن يستخدمه، كعادته، للمزايدة السياسيّة مثل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، ولكن وسط هذه الصورة كلّها أصبح من الضروري الانتقال من مرحلة البحث عن الحلول التي تراوح مكانها منذ سنوات، إلى الخطوات العمليّة التي لا بدّ منها لإفهام مَن يجب إفهامه أنّ لبنان لم يعد يحتمل استمرار وجود هؤلاء اللاجئين، خصوصاً أنّه بلد عبور وليس لجوء، ومحاولات تحويله إلى بلد لجوء مرفوضة رفضاً باتاً.
ولا يجوز انتظار النظام السوري لإعادة هؤلاء اللاجئين، لأنه لا يريدهم بل يستخدم وجودهم في لبنان للإبتزاز، علماً أن أي نظام في العالم لا يستقتل لإعادة شعبه إلى وطنه، يعني أنه ضد شعبه ويستحق الرحيل والسقوط!