من الممكن أن يتسبب مقتل الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي بصورة مفاجئة في حادث تحطم طائرته، في خلط الأوراق وبعثرتها في الداخل الايراني، ليس بسبب عملية إنتقال الرئاسة وحسب، بل لأن رئيسي بما يتمتع به من مزايا أهلته لأن يكون المرشح الأوفر حظاً والأبرز لتولي منصب المرشد الأعلى خلفاً لعلي خامنئي، مع اقترابه من نهاية فترة حكمه بسبب تقدمه في العمر (85 عاماً) وضعف حالته الصحية، ما يعزز الحاجة الملحة الى تحديد خليفة له لضمان استقرار النظام، الأمر الذي يعني أن مسألة الخلافة أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، خصوصاً أن رئيسي كان أقرب المرشحين لخلافة المرشد.
رئيسي الذي كان يتبع نهجاً راديكالياً، جعله يتبنى مساراً صارماً في مواجهة الاحتجاجات والنهج الإصلاحي، إضافة إلى دعم حملة خامنئي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الاقتصاد، واستراتيجيته المتمثلة في دعم قوات تعمل بالوكالة في أنحاء الشرق الأوسط، كان يعتبر أحد أبرز المرشحين لخلافة خامنئي، منذ إنتخابه عام 2021، ما أعاد سيطرة غلاة المحافظين على جميع أذرع السلطة، وذلك بعد ثماني سنوات من حكم الرئيس حسن روحاني والتفاوض على اتفاق نووي مع واشنطن. كما إتخذ رئيسي موقفاً متشدداً في المفاوضات (المتوقفة) مع القوى الست الكبرى التي كانت ترمي إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، إذ كان يرى أفقاً للحصول على إعفاءات واسعة النطاق من العقوبات الأميركية، مقابل فرض قيود متواضعة فحسب على برنامج إيران النووي الذي يسجل تطوراً متزايداً.
كذلك، بدا توجه رئيسي المتشدد جلياً أيضاً في السياسة الداخلية. فبعد عام على انتخابه، أمر السلطات بتشديد تطبيق “قانون الحجاب والعفة” الايراني الذي يضع قيوداً على ملابس المرأة وتصرفاتها. ولاحقاً، توفيت شابة إيرانية كردية تدعى مهسا أميني بعد أن اعتقلتها “شرطة الأخلاق” بتهمة انتهاك هذا القانون. وأشعلت وفاتها فتيل إحتجاجات استمرت لأشهر في أنحاء البلاد وشكلت أحد أخطر التحديات التي واجهها الحكام من رجال الدين في الجمهورية منذ “الثورة الاسلامية” عام 1979.
يذكر أن المرشد الأعلى وفق الدستور الايراني، هو أعلى سلطة في البلاد، ويمتلك سلطات مطلقة للفصل في كل شؤون الدول، بما في ذلك السياسة النووية وقرار السلم والحرب، كما أن له سلطة مباشرة على الجيش، والحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات. في المقابل، فإن منصبي الرئيس ورئيس الوزراء، القائمين مستوعبان من سلطة المرشد الأعلى في دولة تسودها الثيوقراطية. لذلك، فإن على من يتولى منصب الرئاسة الايرانية أن يكون موالياً للمرشد الأعلى. وهذا ما كان عليه إبراهيم رئيسي، إذ يعتبر من أكثر الموالين لخامنئي، بحيث كان على الدوام يتولى الدفاع عن سياساته لتجنيب تعرضه لأي إنتقاد.
وعليه، فإن المتخصصين في الملف الايراني، إعتبروا أن فوز رئيسي في الانتخابات الرئاسية كان مرتباً بعناية من فريق خامنئي، مقابل إستبعاد المرشحين المحافظين والاصلاحيين. فولاء رئيسي للمرشد ساعد على تقديم صورة عن كتلة محافظة موحدة حول أهداف المرشد ورؤيته وتجنب الخلافات التي طبعت الرئاسات السابقة مع مكتب المرشد. وكان من المتوقع أن يرشح رئيسي نفسه لفترة ثانية في انتخابات العام المقبل، إلا أن وفاته تضع خطط المرشد لترتيب البيت أمام تحد، فيجب على البلاد الاعداد لانتخابات بعد 50 يوماً، وفقاً لما ينص عليه الدستور، الذي كلف بموجبه نائب الرئيس تولي مهمة الرئيس.
لا شك في أن إيران تواجه تحديات ضخمة وغير مسبوقة، وتتوقع نهاية مرحلة قاد فيها علي خامنئي البلاد لأكثر من عقدين، (بسبب وضعه الصحي وتقدمه في العمر)، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار، أن هيكيلية السلطة في إيران عملية معقدة، تتداخل فيها التنافسات السياسية والطموحات الشخصية، وتتعدد فيها القيادات السياسية والعسكرية والدينية، فإن المرشد الأعلى هو من يتخذ القرارات المهمة، وليس الرئيس.
بناءً على كل ذلك، فإن وفاة رئيسي، (بمعزل عن نظرية المؤامرة من عدمها)، ستفتح واسعاً ملف إنتقال السلطة في إيران، ليس على مستوى الرئاسة فحسب، بل على مستوى المرشد الأعلى.