تستقطب زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الى لبنان اليوم، الاهتمام، اذ يحاول تحقيق خرق معيّن في جدار الأزمة التي تبدو مستعصية على عواصم القرار وخصوصاً اللجنة الخماسية المهتمّة بالشأن اللبناني والانتخابات الرئاسية.
في الحقيقة، لم يتغيّر شيء في المشهد السياسي منذ زيارة لودريان الأخيرة، ولعل السياسي الفرنسي المحنّك يأتي في لحظة تشعر فيها اللجنة الخماسية أن الأفق أصبح مسدوداً نتيجة رهانات بعض القوى السياسية اللبنانية على تغيّرات في المنطقة ولا سيما “حزب الله” المنهمك في حرب الإسناد لغزة، وقد أشعل الجنوب اللبناني وسبّب نزوح سكّانه.
حُكِيَ كثيراً عن معايير رئاسية يأتي بها لودريان إنطلاقاً من جولاته السابقة في لبنان معتمداً على لقاءاته مع القيادات اللبنانية، لكن هذه المعايير التي تقوم على الخيار الثالث، لا بد من أن تصطدم بمواقف الثنائي الشيعي الرافض لكل طرح رئاسي لا يؤدي إلى انتخاب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، علماً أن الثنائي يرفض إجراء حوار خارج لبنان، ومتمسّك بالصيغة الرسميّة للحوار التي يطرحها الرئيس نبيه بري ويشترط أن تكون برئاسته.
في هذه الأجواء، سيسعى لودريان اليوم إلى تدوير الزوايا وتفكيك “معضلة” الحوار “الممانع” والتشاور “المعارض”، وثمة طروح بأن يترأس لودريان نفسه مشاورات في المجلس النيابي تكون على شاكلة حوار أو ما بين الاثنين ثم يذهب الجميع إلى انتخابات رئاسية، لكن هل سيقتنع الثنائي الشيعي بذلك؟
تبدو الطروح كثيرة وتتوقّع بعض المصادر المحلية أن يحتفل لودريان بمراسم دفن جهود “الخماسية” في الوقت الحاضر، إلا أن معطيات فرنسية واردة من الاليزيه تنفي ذلك، بل تؤكّد أن مساعي “الخماسية” لن تتوقف حتى إنتخاب رئيس مهما كانت العراقيل، قد تتراجع أو تتقدّم، إلا أن الاستسلام غير موجود في قاموسها.
ويتحدث رئيس جهاز العلاقات الخارجية في “القوات اللبنانية” ريشار قيومجيان عن أهداف التحرّك الفرنسي، ويقول: “هذا التحرك لا ينفصل عما تفعله الخماسية التي كان بيانها الأخير واضحاً وقد أدان الثنائي الشيعي، وهذا ما لمّح الرئيس بري إليه منذ بضعة أيام”.
واللافت أن الفرنسيين يضعون نصب أعينهم تحقيق خرق معين على صعيد المنطقة وخصوصاً لبنان، ويلفت قيومجيان إلى أن “ذلك يرتبط بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فرنسا في 6 حزيران المقبل للاحتفال بذكرى إنزال النورماندي، وهدف لودريان التوصّل إلى حلحلة على صعيد الملف الرئاسي قبل القمة التي ستجمع بايدن والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون”.
وليس مستبعداً أن تكون زيارة لودريان منسّقة مع الأميركيين، وفق قيومجيان، فهو التقى الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في الولايات المتحدة منذ شهر، وكل المبادرات السياسية تنسّق مع “الخماسية”، حتى لا يتفرّد أحد بأي مبادرة مستقلّة كما حصل سابقاً مع فرنسا.
ربما تكون زيارة لودريان هي المحاولة الأخيرة قبل انتهاء حرب غزة، لأن الثنائي الشيعي اذا وضع العصي في الدواليب، وخصوصاً “الحزب” يعني أنه يرفض انتخاب أي رئيس قبل نهاية الحرب القائمة.
ويؤكّد قيومجيان أن لودريان سيلتقي رئيس “القوات” سمير جعجع في إطار جولته على القيادات، مشيراً إلى أن “موقفنا واضح وهو التمسّك ببيان الخماسيّة والتأكيد على الآلية التي وضعتها، إلا أننا لسنا جامدين، بل منفتحون على كل الأفكار خارج إطار الحوار الرسمي الذي يدعو إليه بري، ونشجّع على التشاور الذي حصل في مسألة التمديد لقائد الجيش اللبناني والتوصية بملف اللاجئين السوريين، وهما نموذجان ناجحان ممكن اعتمادهما في الملف الرئاسي”.
لا شك في أن رفض “الحزب” الخيار الثالث وأي مرشّح غير فرنجية لا يأتي من العدم، فهو يتطلع إلى المرحلة المقبلة ليكون المفاوض في مسألة ترسيم الحدود، وبالتالي يتجنّب انتخاب رئيس يحقّق إنجازاً للبنان وليس لمشروع الممانعة، لكن قيومجيان يوضح “صحيح أن الحزب لا يقبل بأي رئيس إلا فرنجية، لو كان قادراً على إيصاله إلى قصر بعبدا، إلا أنه يرفع سقف شروطه لأنه غير قادر على ذلك. لذا، للأسف، لن تنجح كل محاولات لودريان حول الخيار الثالث في الوقت الحاضر لأنها تأتي في الوقت غير المناسب بحسب أجندة الحزب”.