اليوم الثاني من زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت، حفل باللقاءات والاجتماعات، بعدما خصص اليوم الأول للقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السراي ورئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” السابق وليد جنبلاط في كليمنصو. ومن يتابع هذه اللقاءات يلاحظ أن إجتماعات لودريان لم تستغرق الكثير من الوقت مع غالبية الكتل، باستثناء تكتلي “الاعتدال الوطني” و”لبنان الجديد” الذي خصصهما بمأدبة غداء واستمر الحديث معهما من الساعة الثانية الى الثالثة والربع من بعد الظهر تقريباً.
والتقى لودريان غالبية الكتل الأساسية بحضور السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو، ورئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وكان لافتاً في هذا اللقاء عودة بري عن كلمة الحوار وإستبدالها بكلمة “التشاور”. وكما كان متوقعاً التقى لودريان رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد في حارة حريك، وهي ليست المرة الأولى التي يزوره فيها، وإستمع الى وجهة نظرهم حيال الملف اللبناني. ووفق المعطيات التي حصل عليها “لبنان الكبير”، يبقى الأهم في هذا اللقاء إصرار “حزب الله” في سياق الجلسة على تأكيد مبدأ فصل الاستحقاق الرئاسي عن الحرب في قطاع غزة.
وبعدما زار المبعوث الفرنسي الثنائي الشيعي، التقى تكتلي “الاعتدال” و”لبنان الجديد” في قصر الصنوبر، وقالت مصادر حضرت هذا اللقاء لـ”لبنان الكبير”: “كان كتير كتير كتير حلو، وإيجابي، مُجدي وصريح جداً”. وأشارت الى “أننا لمسنا إنفتاحاً كبيراً من الجانب الفرنسي حيال الملف الرئاسي، بحيث قال لنا لودريان انه حمل إنطباعاً جيداً بعد لقاء الرئيس بري وحزب الله، خصوصاً وأن الحزب شدد على أنهم لن يربطوا الاستحقاق الرئاسي بما يحدث في غزة، وكان فرحاً ومرتاحاً من لقاء بري والأجواء جيّدة، ولكن متى سيتم هذا الانتخاب وكم سيستغرق من وقت للوصول الى هذا الهدف المرجو لا أحد يعلم”.
وكشفت المصادر أن “لودريان يأمل أن يلقى نتيجة إيجابية لدى القوات اللبنانية، كما أكد أن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور غير قادرين على تأمين نصاب أي جلسة، وعلى اللبنانيين أن يختاروا رئيسهم”.
وحول امكان أن يكون هناك حوار في باريس، أوضحت المصادر “أننا تمنينا عليه أن لا يكون هناك أي حوار في الملف الرئاسي في باريس، وأن يحصل الحل اللبناني ضمن لبنان، لكنه تريث ولم يجب بأي شيء”.
أما أوساط “الاعتدال” فلفتت الى أن “لودريان أعجب بكل نقاط المبادرة، وتمنينا عليه أن يلعب دوره حيال نقطتي الخلاف المتعلقتين بالترؤس والدعوة الى جلسة التشاور، ويبدو أن الأجواء ميالة الى أن يكون هناك حل نظراً الى الحاجة لانتخاب الرئيس. ونقلت عن لودريان قوله “ان هناك اجتماعاً بعد أسبوعين بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والرئيس الأميركي جو بايدن وهو يُعد جدول أعمال هذه القمة حيال وضع لبنان، وبالتالي جولته جزء منها مرتبط بهذا الاجتماع والجزء الآخر لكونه منذ فترة طويلة لم يأتِ الى لبنان”.
واستكمل الموفد الفرنسي لقاءاته، فزار رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل في الصيفي، وقال الأخير انه حذر لودريان من بعض المطبّات التي يمكن أن تكون في طور التحضير، “على أمل أن يؤمن الضمانات اللازمة لنطمئن للمسار”، موضحاً أن “الضمانات تتمحور حول نقطتين أساسيتين، الأولى: أن ليس المهم شكل الحوار والمناقشات بل هل هناك التزام من الرئيس بري بالدعوة الى جلسة مفتوحة بدورات متتالية بغض النظر عن نتائج الحوار؟ أو إذا اختلفنا في الحوار لا تنعقد جلسة؟ بالاضافة الى أن تكون الضمانة الثانية متمثلة في حضور نواب الممانعة الجلسة، لأن بري يمكن أن يدعو الى جلسة يقاطعها النواب ولا يؤمّنون النصاب وعملياً نكون عدنا الى نقطة الصفر”.
وتوجه لودريان الى الصرح البطريركي للقاء البطريرك بشارة بطرس الراعي، وغادر من دون الادلاء بأي تصريح. وكانت المحطة الأخيرة في جولته معراب، حيث التقى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، الذي شدد فور انتهاء هذا الاجتماع على أنه لن يقبل بسوابق في خرق الدستور، مؤكداً أنه “اذا لم يتم إنتخاب الرئيس قبل شهر تموز، فالملف الرئاسي سيرحل الى السنة القادمة”.
وفي هذا السياق، شرحت أوساط “القوات اللبنانية” عبر ” لبنان الكبير” ما الذي تم التباحث فيه خلال اللقاء، بالقول: “أكد لودريان ثلاث نقاط أساسية، النقطة الأولى أن الخماسية تعمل ككل متكامل وموقفها موّحد ومقاربتها واحدة، والتنسيق بين مكوناتها على قدم وساق وبالتالي ليس هناك أي تمايز بين طروحها، وهو جال على الجميع قبل أن يقوم بجولته في لبنان. ثانياً، شدد لودريان على بيان الخماسية الذي تحدث عن تشاور محدود النطاق، ويقول ان لديهم حرصاً كبيراً على المساهمة في تطبيق الدستور وعدم تكريس أي أعراف على حسابه وبالتالي لا يتبنى وجهة نظر، انما المنطق أن يكون هناك إلتزام بالدستور في لبنان. أما النقطة الثالثة، فأشار لودريان الى ضرورة الاتفاق على الآلية التشاورية لانتخاب الرئيس، والمؤكد أنهم ضد طاولة مستديرة، والآلية تكون عبر تكتل الاعتدال أو عبر تشاور بعيد عن الأضواء مثلما حدث في اللقاء الذي صدرت عنه توصيات عبر مجلس النواب، أو تشاور في البرلمان من دون أن يترأس أحد هذه المشاورات، ليبقى المهم الاتفاق على هذه الآلية ولا يتدخلون في الاسم المطلوب. كما أكد لودريان نقطة رابعة، بوجوب الذهاب الى الخيار الثالث، لأن موازين القوى لم ولن تسمح لأي فريق بإيصال مرشحه”.
من الواضح أن هذه الزيارة حملت في طياتها الكثير من الايجابية، وجرى خلالها تأكيد المؤكد بالذهاب الى الخيار الثالث، فهل ستتفاهم الكتل ويجري إنتخاب الرئيس فعلاً؟ كل هذا يبقى رهن نواب الأمة وتفضيل مصلحة لبنان على أي مصلحة أخرى.