على وقع إشتعال جبهة الجنوب بمواجهات متصاعدة بصورة غير مسبوقة، وفيما لا تزال حرب غزة مفتوحة على كل الاحتمالات، إختارت إيران أن يكون لبنان المحطة الخارجية الأولى التي يطل منها وزير خارجيتها بالإنابة علي باقري كني بعد توليه منصبه خلفاً للوزير حسين أمير عبد اللهيان. فوصول الوزير الايراني تزامن مع تصعيد خطير على جبهة الجنوب، التي إشتعلت بمواجهات متبادلة بمختلف أنواع الصواريخ والقذائف وبغارات الطيران الحربي والمسيرات، مع تمدد الاعتداءات الاسرائيلية في اتجاه قضاء صيدا والبقاع الغربي واستئنافها “اغتيالات الدراجات” والسيّارات، وتفعيلها المتدرّج لسلاح “جدار الصوت”، الذي يُخشى أن يكون دويّه بدأ يطرق أبواب بيروت وضاحيتها الجنوبية. فهل من رابط بين الزيارة والتصعيد؟ وبالتالي هل ان التصعيد هو بمثابة تبادل رسائل على “صفيح ساخن” بين إيران وإسرائيل، خصوصاً وأن زيارة علي باقري الى لبنان تتزامن مع مخاوف جدية من اندلاع حرب شاملة؟
لا شك في أن الزيارة بتوقيتها تنطوي على مدلولات وتساؤلات عدة، على الرغم من أنها يمكن أن تكون إمتداداً للزيارات الدورية الذي كان يقوم بها الوزير عبد اللهيان، الذي قضى في حادث المروحية مع الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، ولكن بالتأكيد لا يمكن توصيفها بـ “الاستكشافية”، لأن باقري مقرب جداً من المرشد الأعلى في ايران علي خامنئي، وينتمي إلى التيار المحافظ المتشدد في السياسة الايرانية، وتولى مسؤوليات مهمة داخل النظام، كان آخرها “كبير المفاوضين” في الملف الايراني، ما يجعله ملماً ومتابعاً للملف اللبناني بدقة.
ما يمكن أن يدعو الى الاعتقاد بالترابط بين التصعيد والزيارة، أنها أتت بعدما أعلن خامنئي، أن “طوفان الأقصى نسف خطة واسعة ومفصّلة لتغيير معادلات المنطقة”، داعياً الى عدم عقد “الآمال على مفاوضات التسوية”. من جهته، كان السفير الأميركي لدى إسرائيل جاك لو، صرّح لصحيفة “جيروزالم بوست” بأن “حلّ الدولتين من شأنه فتح الطريق أمام تفاهمات في المنطقة، تضع إسرائيل في تحالف إقليمي بوجه إيران”. ومؤدى كلام خامنئي والسفير الأميركي أنّ حرب الإبادة والإزالة في غزة المستمرة من 8 أشهر، لا تزال مفتوحة على مزيد من العصف، وبالتالي فإن الحلول ما زالت بعيدة المنال، في وقت يتعذر فيه الوصول الى تهدئة مؤقتة. وهذا يعني أن جبهة الجنوب “للمشاغلة”، لن تفيد معها كل محاولات التهدئة والتبريد.
لذلك، يرى المتابعون أن الزيارة تحمل رسائل متعددة الاتجاه، منها حجم “ارتياح” طهران الى الحضور الوازن لها في لبنان انطلاقاً من نفوذ “حزب الله”، وبالتالي التأكيد أن هذا البلد خط أحمر إيراني، انطلاقاً من الدعم المفتوح للحزب. ومن الرسائل أيضاً كون باقري هو المفاوض الايراني في الملف النووي مع الأميركيين وما يتعلق بملفات المنطقة، وبما أن لبنان يشكل بالنسبة إلى طهران خط مواجهة أول مع الأميركيين، وخط ضغط وتواصل، فإنها تستخدمه كورقة للتفاوض بشأن الملف النووي والملفات الاقليمية، لذلك فانه يمكن وضع زيارة باقري شخصياً في هذا الاطار. أما الرسالة الأبرز للزيارة، فهي للتأكيد أن إيران بعد حادثة وفاة الرئيس رئيسي ووزير الخارجية عبد اللهيان، لا تزال مستمرة في دعم المحور التابع لها، وفي الوقت منفتحة على التفاوض حول الملفات المتعلقة بالمنطقة.