من الواضح أن الثنائي الشيعي يتوسّل كل الطرق، ترهيباً وترغيباً، لإخضاع كل القوى السياسية لما يسمّى “حوار” يسبق جلسة انتخابات رئاسة الجمهورية، وقد شهدت كل المرحلة الممتدة من 12 حزيران 2023 تاريخ الجلسة الانتخابية الأخيرة وحتى اليوم، جدلاً بيزنطياً حول مفهوم الحوار بين الرئيس نبيه بري و”القوات اللبنانية”، وللأسف لم يؤدِ هذا الجدل إلى نتيجة، وقد حصل تسجيل نقاط سياسية بين الطرفين أمام اللجنة الخماسية الدولية، واختبار للنوايا، والنتيجة استمرار الشغور.
لا شك في أن “القوات” بدت رأس حربة في جبهة المعارضة عبر رفضها طاولة حوار بري، فهي أظهرت “حساسيّة” مفرطة حيال شكل هذه الطاولة ولمست محاولات من الثنائي الشيعي لتكريس هذا الحوار عرفاً يسبق الاستحقاقات الدستورية، لذلك لم تضعف أمام كل المساعي الداخلية والخارجية ازاء هذا الطرح “الملغوم”، وقد واكبتها حتى الآن كل مكوّنات المعارضة مصرّة على الموقف نفسه.
لكن ثمة أموراً تغيّرت في الأسبوع الفائت، بعد إطلاق رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مساعيه التوافقية مع بري، وانفتاحه على مسألة “الحوار” وقيامه بدور الوسيط بينه وبين الكتل السياسية ولا سيما في المعارضة، وبدا أن المشهد السياسي قابل للتغيير بعد استمالة “الكتائب” وبعض المعارضين وابدائهم مرونة حول الموافقة على حوار مع “ضمانات” يعطيها بري بأنه سيرضى بالدعوة إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية مهما كانت نتيجة الحوار!
أما “القوات” فأصرّت على موقفها الرافض لمبدأ الحوار خارج الإطار الدستوري، وقد أسهب رئيس “القوات” سمير جعجع في شرح ثلاث مقاربات مقبولة من حزبه لمسألة الحوار والتشاور، لكن بالفعل لا يبدو الثنائي الشيعي مسهّلاً للانتخابات بل لا يريدها، ويميل إلى منطق الفرض و”الغلبة”، وهذا يُضعف ثقة “القوات” بالثنائي، علماً أن كل أدائه على الصعيد السياسي والوطني يُثبت مخاوف “القوات”.
وتلفت مصادر “القوات” إلى أن “انعقاد جلسة حوار من دون مشاركتها لا يعني عزلها، وقد سبق أن قاطعت القوات دعوات الحوار من الرئيس ميشال سليمان ثم الرئيس ميشال عون، لأنها لم تكن مقتنعة بها، وقد أصابت في قرارها آنذاك، ولم يلتزم الثنائي الشيعي بمقرراتها، لذلك من يريد المشاركة من القوى السياسية في الحوار بالصيغة المطروحة من بري، فليتحمّل المسؤولية أمام قواعده الشعبية”.
لكن “القوات” لا تعتبر أن بعض القوى المعارضة المستعد للمشاركة في الحوار مستسلم أو خائن، “بل لديه مقاربة مختلفة عن القوات”، وربما يعتبر أننا “محمّلين” مسألة العرف أكثر مما تحتمل، ويرى أنه إذا استطاع أن يأخذ ضمانات من بري فسيحشره، ويدفع “الخماسية” إلى مراقبة هذه الضمانات من أجل جلسة مفتوحة بدورات متتالية، عندها لا يعود هناك مشكلة في الحوار، هذه هي مقاربة القوى، أما نحن فلا نريد المشاركة في الحوار مهما كان الثمن، لأننا لن نذهب “راكعين” بشروط الثنائي، علماً أن بري يناور ولن يعطي ضمانات، وبالتالي لا نظن أن “الكتائب” وغيرها من المعارضة ستذهب إلى الحوار.
في المحصّلة، نجحت “القوات” في كشف نوايا الثنائي الذي لا يريد رئيساً للجمهورية، وتختم مصادرها: “الثنائي يتذرّع بالحوار لشراء الوقت للوصول إلى انتخاب مرشحه سليمان فرنجية، أو بانتظار الظروف التي تسمح له بمقايضة هذه الورقة أي بانتهاء الحرب، عندها يريد أن يكون فرنجية الرئيس مفاوضاً أو يستمر بري في التفاوض بمسألة الحدود، ومن الآن حتى تنتهي الحرب تبقى انتخابات رئاسة الجمهورية ورقة مقايضة للبيع والشراء بالنسبة إلى الثنائي”.