أفغانستان: انعكاس سريع وأحلام “من ورق”

حسناء بو حرفوش

انشغلت الصحافة العالمية هذا الأسبوع بالتطورات المتسارعة على الساحة الأفغانية وتأثيرها على المناطق الحدودية المجاورة وعلى التحالفات، بالإضافة إلى الانقسام في الداخل الأميركي حول تبعات قرار الرئيس جو بايدن الذي سارع سلفه دونالد ترامب لدعوته إلى الاستقالة.

ماذا حدث للتو في أفغانستان؟”

البداية من الهند حيث يسود وضع “الانتظار والمراقبة”.  موقع “إينديا توداي” (indiatoday) حاول اختصار الأحداث مع طرح عدد من التساؤلات فنشر أن “أفغانستان سقطت، في انعكاس سريع ومفاجئ، في قبضة طالبان وشهدت سقوط الأقاليم مثل حزمة من الأوراق وسط خروج القوات الأميركية وفي ظل مقاومة قليلة أو معدومة من قبل القوات الأفغانية. فهل تختلف طالبان هذه عن طالبان التسعينيات؟”. بحسب الموقع، “من السابق لأوانه الإجابة عن هذا السؤال، علما بأن طالبان أعلنت أنها لن تنتقم ممن والوا حكومة الرئيس أشرف غني، وبعثت برسالة تطمئن فيها سكان كابول وتطلب منهم عدم الخوف من مقاتليها. ومع ذلك، لم يحفز هذا التصريح ثقة الآلاف من الأشخاص الذين يفرون من أفغانستان إلى إيران وطاجيكستان وتركيا، ومنهم وزراء يتطلعون إلى الهند للحصول على مأوى (…) كما قالت طالبان أيضاً إنها ستحاول، من خلال الحوار، إقناع العالم بأن نظامها سيقوم على أساس القواعد ويسعى للحصول على اعتراف من الدول”.

عتب على أميركا؟

لكن ردود الفعل التي بنى المقال عليها، لا تركز فقط على موقف الناس من طالبان ولكن أيضاً من الولايات المتحدة، فنقرأ على الموقع المذكور أعلاه، أن “ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر أن الكثيرين في أفغانستان يعتقدون أن الولايات المتحدة تركتهم في وضع غير مستقر بعيداً عن الإيفاء بالوعود المقطوعة للشعب قبل 20 عاماً عندما هبط الجنود بالدبابات والطائرات المقاتلة. بالنسبة للولايات المتحدة، تغير العالم خلال العشرين سنة المنصرمة. ويقدر أنها ضخت تريليون دولار للحفاظ على حكومة أفغانية وتدريب جيشها. لكن التقارير الواردة من أفغانستان تظهر أن الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة كانت فاسدة تماماً على جميع المستويات، محطمة بذلك الغاية من بقاء الأميركيين هناك. وهذا يفسر سبب إحباط الولايات المتحدة من تجربتها الأفغانية، عدا عن أن التقارير الواردة تؤكد أن الأسلحة التي جلبتها الولايات المتحدة للجيش الأفغاني انتقلت إلى أيدي طالبان مقابل أموال على المستويات المحلية. كان هناك تواطؤ واضح مع طالبان على مستويات عديدة في الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني. ولهذا السبب، سيطر مقاتلو طالبان على معظم المقاطعات في معارك “غير دموية”.

هل حدث ذلك بسرعة كبيرة؟

لقد دفع خطاب الرئيس جو بايدن الرافض لإمكانية غزو طالبان لأفغانستان بسهولة، بالعديد من المراقبين الأفغان للجزم بأن سيطرة طالبان على أفغانستان تمت بشكل أسرع وأكثر سلاسة مما كان متوقعًا في وقت سابق. ومع ذلك، تلمح تصريحات أنتوني بلينكين إلى صورة مختلفة (…) ومن الواضح أن الولايات المتحدة كانت تعلم أن سيطرة طالبان على أفغانستان ستكون سريعة. وهذا ما حدث بالضبط (…) وألقت الولايات المتحدة باللوم على الإرادة السياسية للحكومة الأفغانية التي لم تظهر حتى بعد أكثر من 20 عامًا من الدعم، عزمًا على القضاء على طالبان، التي حصلت على الدعم على الأرض، لا سيما في المراكز والقرى الصغيرة بسبب تفشي الفساد وانعدام القانون (…) كما أدى الفساد وعدم الكفاءة في الحكومة الأفغانية إلى ولاءات غير مبالية بين سكان الريف والقبائل في البلاد. وسيطرت طالبان وأنصارها على المدارس الدينية في أفغانستان حتى أثناء الوجود الجيش الأميركي في البلاد حيث فشلت الحكومة في السيطرة على نظام التعليم.

ما الذي يخبئه المستقبل؟

لا يعرف أحد ما يخبئه المستقبل للأفغان تحت حكم طالبان، بحسب قراءة على موقع “بلومبرغ” الأميركي، حيث “أصدرت الجماعة بيانات تهدف إلى طمأنة السكان، قائلة إنها تريد تشكيل “حكومة إسلامية منفتحة وشاملة” وأنها ستحترم الممتلكات العامة، وتوفر بيئة “آمنة” للأعمال التجارية، وأنها ستمنح عفوا للأفغان الذين “ساعدوا الغزاة” (…) لكن الإشارات من أماكن أخرى في البلاد ليست جيدة. في الأسابيع الأخيرة، ظهرت تقارير من مدن سقطت عن أعمال قتل انتقامية وزواج قسري  وإبعاد النساء عن الجامعات التي كن يدرسن فيها وأمر الرجال بإطلاق اللحى”. وبحسب المقال، “التقت الصين بممثلي طالبان في الأسابيع الأخيرة في محاولة لرسم مسار للمضي قدمًا ولضمان عدم امتداد العنف إلى منطقة شينجيانغ المجاورة لها ولحماية استثمارات بمليارات الدولارات في باكستان. وتحافظ روسيا بدورها على علاقات جيدة مع طالبان: مع تقدم الولايات المتحدة إلى المطار، أعلنت موسكو أنها لن تخلي سفارتها في كابول”.

“مأساة كبيرة”

في الولايات المتحدة، ودائما بحسب “بلومبرغ”، “أثار انسحاب القوات والانهيار اللاحق لكابول إدانة للانقسام السياسي، حيث تواجه الإدارة الأميركية الآن السؤال الصعب حول ما إذا كانت ستتعامل مع النظام الجديد الذي كافحت لفترة طويلة ضده، بينما تحاول معرفة كيفية مساعدة الآلاف من الأفغان الذين ساعدوا الجيش الأميركي”. صحيفة “نيويورك تايمز” وصفت التطورات على الساحة الأفغانية بـ”المأسوية” لعدة أسباب أهمها أن ما حصل أثبت أن “الحلم الأمريكي بأن تكون الولايات  المتحدة “الأمة التي لا غنى عنها” (…) مجرد حلم”. ومن ثم، “الأكثر مأساوية هو اليقين بأن العديد من الأفغان الذين عملوا مع القوات الأميركية لأجل هذا الحلم، وخصوصاً الفتيات والنساء اللواتي اعتنقن قدراً من المساواة، قد تُركوا تحت رحمة طالبان”.

“وفي الداخل الأميركي، مأساة أيضاً على حد وصف الصحيفة، لأنه مع الانقسام السياسي المرير لأميركا اليوم، تقاذف للاتهامات الغاضبة بشأن من ترك أفغانستان ومزيج من الشماتة والأكاذيب القبيحة (…) وعلى الرغم من أن سرعة الانهيار مروعة، لا ينبغي أن تكون النتيجة مفاجئة. ولا يمكن تحميل بايدن بمفرده مسؤولية الكارثة، لكن يتعين على الإدارة الحالية تصحيح الخطأ الذي حدث في خطط الانسحاب، لأنه يجب على الجيش الأميركي بصفته قوة لوجستية عظمى ألا يوفر جهداً لإنقاذ أولئك الذين خاطروا بكل شيء من أجل مستقبل أفضل”. وختمت الصحيفة: “كان من الواضح دوما أن الانسحاب الأميركي، مهما كان أو متى ما حصل، سيترك طالبان في وضع الاستعداد للسيطرة على أفغانستان مرة أخرى. لا بد من وضع حد للحرب، لكن كان بإمكان إدارة بايدن، لا بل ينبغي عليها، أن تولي أهمية أكبر لحماية من خاطروا بكل شيء لأجل مستقبل مختلف، ولو أن أحلامهم من ورق”.

المصادر:
indiatoday
bloomberg
ny times

شارك المقال