ليست المرة الأولى في التاريخ التي يقع فيها خلاف بين الادارتين الأميركية والاسرائيلية، بل ان الأمر يعود حتى إلى أوائل تأسيس الكيان الاسرائيلي، اذ وقع الخلاف عام 1949، عندما سيطرت إسرائيل على أراضٍ مصرية بعد أشهر طويلة من وقف إطلاق النار، وكذلك وقع خلاف بين الرئيس الاسرائيلي دافيد بن غوريون والرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1957، عندما أطلقت إسرائيل عمليات لتثبيت احتلالها لسيناء وقطاع غزة، وبدأت تخطط للاستيطان اليهودي هناك. ونشبت أزمة لمدة 4 سنوات بين واشنطن وتل أبيب على خلفية إنشاء الأخيرة مفاعل نووي في منطقة ديمونة، تعاقب خلالها 3 رؤساء أميركيين، في آخر أيام ولاية أيزنهاور، وتسلم جون ف كيندي الذي اغتيل، ثم خلفه ليندون جونسون.
وفي نكسة 1967 أقدمت طائرات وسفن حربية إسرائيلية على قصف المدمّرة الأميركية “يو إس إس ليبرتي” التي كانت تبحر قبالة العريش خارج المياه الاقليمية المصريّة بشمال شبه جزيرة سيناء، وأدى القصف الاسرائيلي في حينه إلى مقتل 34 من البحارة واصابة 171. ولعل أكثر خلاف يشابه الحاضر هو عندما قرر الرئيس الأميركي جيرالد فورد تجميد التوقيع على صفقات أسلحة جديدة، وأعلن حينها “إعادة تقييم العلاقات الأميركية-الاسرائيلية”، على خلفية رفض تل أبيب شرط الرئيس المصري أنور السادات الانسحاب الكامل من سيناء لتحويل “اتفاق فصل القوات” مع مصر إلى “اتفاق لوقف النار” عام 1975.
كما هدد الرئيس الأميركي جيمي كارتر خلال مفاوضات كامب دايفيد بـ “اعادة النظر في العلاقات” من أجل الضغط على اسرائيل، وقد أثر هذا الصدام في ضرب حظوظه بإنتخابه دورة ثانية في أميركا. إلا أن خلفه رونالد ريغان واجه صدامات عدة مع تل أبيب أبرزها بيعه طائرات “أواكس” للمملكة العربية السعودية، وتدمير اسرائيل المفاعل النووي العراقي قرب بغداد عام 1981، ما أدى الى تجميد صفقة طائرات “ف 16” لاسرائيل. وفي فترة حكم رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق شامير توترت العلاقة بين الحليفين، بعدما أعد مشروعات استيطان جديدة خلال فترة مفاوضات مؤتمر مدريد للسلام الأمر الذي أغضب الرئيس الأميركي جورج بوش الأب فقرّر فرض سلسلة عقوبات كان أقساها إلغاء ضمانات أميركية لاسرائيل بقيمة 10 مليارات دولار، ما أدى الى زلزال سياسي في تل أبيب أسفر عن إطاحة شامير وانتخاب اسحاق رابين مكانه.
وتعتبر الفترة الأسوأ في العلاقات بين الحليفين هي فترات حكم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، الذي انتهج منذ توليه السلطة أول مرة سياسة الابتزاز مع الادارات الأميركية، بل انه كان السبب في توقف المساعدات المالية المباشرة من واشنطن في عهد الرئيس بيل كلينتون، وتحويلها إلى مساعدات عسكرية. وكذلك تفجر خلاف كبير عام 2010، عندما بدأ نتنياهو بالتخطيط لشن حرب على إيران، إلا أنه فوجئ بوجود مفاوضات سرية بين واشنطن وطهران لتوقيع “الاتفاق النووي”، فبدأ بمحاربة “الاتفاق”، سياسياً، ودخل في صدام مباشر مع الرئيس باراك أوباما، لدرجة أنه تدخل في الانتخابات الأميركية لمحاولة اسقاطه، وألقى خطاباً ضد “الاتفاق النووي” في الكونغرس عام 2015 من دون ترتيب مع البيت الأبيض، وتعمّق الخلاف لدرجة أن أوباما لم يستخدم “الفيتو” في قرار مجلس الأمن الدولي ضد الاستيطان.
الا أن هذه الخلافات لا تفسد في الود قضية برأي المحللين، ويقول خبير العلاقات الدولية د. علي حمود في حديث لموقع “لبنان الكبير” إن الخلاف بين الولايات المتحدة واسرائيل هو على “الأسلوب ولكن الهدف بينهما دوماً واحد، فاسرائيل قاعدة عسكرية أميركية متقدمة في الشرق الأوسط لحماية المصالح الغربية، ولا تستطيع واشنطن التخلي عنها مهما عاندتها واختلفت معها، ويبقى الهدف واحداً، عدا عن ذلك اللوبي الداعم لاسرائيل قوي جداً من الناحية المادية والسياسية، ويشكل وزناً قوياً في الانتخابات الأميركية”.
وتشدد مصادر قريبة من “حزب الله” على أن “المقاومة لم تفرق يوماً بين الأميركي والاسرائيلي، بل انها تستعد للدفاع عن البلد ضد الاثنين معاً وليس ضد اسرائيل فقط، علماً أنه في حال دقت الساعة فسنشهد وحدة ساحات أقسى بكثير مما نشهد الآن، ولن يتمكن أحد من فرض شروطه على المقاومة، ولو كان يدعمه العالم”.