منذ أن دخل الهدهد أرض المعركة منفذاً خرقاً نوعياً في قواعد لعبة الاشتباك، ولبنان يتلقى يومياً، سيلاً من التهديدات الاسرائيلية بشن حرب واسعة عليه لاقتلاع “حزب الله”، وسرعان ما بدأت الحرب الافتراضية بتبادل التهديد في تحديد بنوك الأهداف، كان آخرها الرد على الفيديو الذي نشره الاعلام الحربي التابع لـ “حزب الله” حول عرض صور جوية تظهر احداثيات عسكرية وبنى حيوية اسرائيلية حساسة ومهمة، بفتح ملف مطار رفيق الحريري الدولي عن طريق تقرير “التلغراف”، ما رفع مستوى الخوف من نشوب حرب إلى الحدود القصوى، عززته التحذيرات الخارجية من تدهور الوضع، إلى حد الشعور وكأن الحرب حاصلة لا محالة، ولن يشق الفجر إلا والطيران الحربي يغير على الجسور لقطع الأوصال إيذاناً ببدء الحرب الواسعة… لكن هذا السيناريو افتقد المؤشرات الميدانية والمعطيات الجدية، كيف؟
ما حصل في الأيام القليلة الماضية يدرج تحت عنوان “البعد الاستراتيجي للصراع” بيننا وبينهم، هكذا تعلق مصادر “حزب الله” لموقع “لبنان الكبير” على هذا الأمر، مضيفة: “عندما نشرنا فيديو لمن يهمه الأمر وظهر فيه مطار بن غوريون، رد علينا الاسرائيلي بمطار بيروت، وببساطة يمكن القول لهم، إذا أردتم التأثير على المقاومة أو على بيئة المقاومة بهذه الخطوة، فلن ينفع لأنكم تعلمون أن مطار بيروت مقابل مطار بن غوريون، وبيروت مقابل تل أبيب، وبالتالي ما قاموا به أعطى صفر مفعول، ثم ان أحداً لم يتأثر بالفيديو الذي سبق ونشروه عن بيروت الجميلة، وهذا مرده إلى أن الشريحة الأوسع أصبحت لديها ثقة بالمقاومة”. وبالتالي، تعتبر المصادر أن ما حصل هو أمر متوقع، لكنها تأسف للطريقة التي تعاطت بها الغرف السود التابعة لبعض الاعلام اللبناني، في طريق النشر والتسويق، وبناء الاحتمالات، وهذا بطريقة أو بأخرى يخدم العجز الاسرائيلي، عن شن الحرب، لذلك تقوم باختراع التهويل بالحرب، وهذا التهويل يترافق مع تحديد بنك أهداف باللغة العسكرية، في محاولة لإضفاء مصداقية وجدية عليه، كمثل أن تقول إنها ستقصف وبدفعة واحدة ٣٥٠ هدفاً في اليوم الأول.
وترى المصادر أن هذا المناخ التهويلي الهائل هو لمواجهة الحقيقة المرة التي يعرفها الجيش الاسرائيلي أكثر من المسؤولين السياسيين في اسرائيل، اسمها “العجز الفعلي عن الحرب” فهو يعلم أن الحرب لن تكون مزحة أو نزهة، وبالنسبة الينا كل المؤشرات الميدانية تؤكد أن الجيش الاسرائيلي في الشمال ليس في حالة استعداد للحرب بل في حالة تموضع دفاعي، وليس في حالة تجهيز لشن حرب عسكرياً ولوجيستياً، بمعنى أنه يدرس رد فعل “حزب الله” في حال قام بعملية عسكرية محدودة داخل الأراضي اللبنانية، (هل يدخل إلى الجليل أو لا يدخل؟). ثم ان من يريد شن حرب على لبنان، يستدعي الاحتياط، يجهز البيئة الداخلية، يستنفر الملاجئ والموارد الحيوية والتجهيزات العسكرية، ويستقدم قوات إضافية ويقوم بمناقلات… وهذا كله غير موجود بحسب معلوماتنا ويعرفون أننا نرصدهم، لذلك يستعيضون عن ذلك بالتهويل.
وتلفت المصادر إلى أن حرباً كهذه تستقطب اعلاماً خارجياً، فأين الاعلام الخارجي الذي يتحضر لتغطيتها، ولماذا لم يأخذ هذه التهديدات على محمل الجد؟ لأن الموافقات لتغطية الحرب في الجنوب تؤخذ من “حزب الله” وبالتنسيق معنا على طول البقعة الجغرافية المحددة للتغطيات، فالاعلام الأجنبي الذي عادة يتلقى توجيهات خارجية من بلاده، لا يتصرف وكأن لبنان على أبواب حرب. وللتذكير فانه ومنذ العام ١٩٨٧ وفي كل مرة يكون فيها لبنان على شفير الحرب، يصل الاعلام الأجنبي قبل ٤٨ إلى ٧٢ ساعة، حتى الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، وخلال حديثه عن احتمالية الحرب قال إن الجيش الاسرائيلي يمكن أن يقوم بعملية في الشمال بعد الانتهاء من رفح، والتي قد تستغرق خمسة أسابيع، وهذا دليل على أن الجيش الاسرائيلي يعترف ضمناً بأنه لن يستطيع الاقدام على أي عمل عسكري كبير في الشمال طالما أنه مشغول في غزة ورفح.
وتعتبر المصادر أن الأميركي وعلى الرغم من تأكيده أنه لن يترك اسرائيل ولن يجازف بأمنها، يريد إنهاء هذه الحرب وقد طلب أكثر من موفد خاص من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يعلن انتصاره وينهي هذه الحرب ويبدأ بالتفاوض حول اليوم التالي والحل السياسي، ويحاولون بشتى الطرق ومع كل الأطراف إنهاء الحرب. وقد أصبح معروفاً أن هوكشتاين طلب من الرئيس نبيه بري التدخل لدى “حزب الله” لإقناع “حماس” بالقبول بمبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن وكان جوابنا واضحاً: نحن جزء من الحرب إلى جانب “حماس” ونساندها فكيف نقرر عنها وهذا ليس منطقياً؟
وتخلص المصادر إلى القول: كل هذه المحاولات لن تنفع وباب الحلول وقف الحرب على غزة… ومقال “التلغراف” وما قبله وما يمكن أن يأتي بعده لن يقدم أو يؤخر في مسار المعركة، والصواريخ لا تخزن لا في المطار ولا في المرفأ، وهي غير مستوردة بل صناعة محلية بغالبيتها، وبالتالي نحن أمام المشهد العسكري نفسه على الجبهة الجنوبية، مهما اشتدّت المواجهات “المضبوطة” وعلت التهديدات.