مقارنة لبنان بغزة

زاهر أبو حمدة

الأصعب من المعاناة التأقلم معها. الأسهل التفكير بحلها، والأهم أن تستطيع ذلك. حُبِس أهل قطاع غزة فيه، ومنعهم الاحتلال ونظام حسني مبارك، من الخروج منه أو الدخول إليه. مُنعت الحركة التجارية، بل ودخول المساعدات الإنسانية وغيرها، وما يترتب على ذلك من إلحاق الضرر الفادح بالناس إذا كانوا أصحاء ومرضى؛ بسبب نقص الطعام والشراب والدواء والوقود اللازم وزيادة نسب الفقر والبطالة.

حصل ذلك، وأقصى وأقسى أيضاً خلال 14 عاماً. لكن هل هذا ما يحدث في لبنان حالياً يشبه حالة غزة المستمرة؟

المقارنة ظالمة، واستمعت إلى متصدري الشاشات يقولون إن لبنان يشبه غزة. صحيح أن الوضع المعيشي فيه نقاط التقاء، لكن المقاربة بين الجهتين لناحية المساحة وعدد السكان والمنافذ الحدودية والمتنفذين في الحكم لا تتشابه بتاتاً.

في الأصل، هناك اختلاف في طبيعة الحياة والنظرة اليها بين الشعبين، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يكفي معرفة عدد العمال الآسيويين والافريقيين في منازل لبنان وخارجها (400 ألف وفقاً المجلة الدولية للمعلومات) لتصلك الفكرة.

في حين تختلف ثقافة الحياة لتجد حلولاً لأزمات تتلاحق. فأهل غزة لجأوا الى الطاقة الشمسية لتأمين الكهرباء، وبعض الالواح صُنِعت محلياً. وعند فقدان الادوية عادوا الى الطب العربي التقليدي. واستثمروا في البحر والمنتوجات المحلية واستغنوا عن البضائع المستوردة.

هذا لا يعني أن المعاناة انتهت، لكن هذه احدى صور التكيف مع أزمة يمكن امتدادها لسنوات. ولأن اللبناني والمقيم في لبنان، اعتاد على نمط معيشي معين يشعر بالصدمة مما يحدث. لذلك أمامه خياران لا ثالث لهما: الهجرة أو التأقلم وإيجاد حلول جماعية وفردية. وحين يتقبل الصدمة، سيجد الحلول.

المشكلة الأكبر في لبنان، أنك لا تعرف من هو عدوك الحقيقي. هناك حيرة في اكتشاف مرتكب الجرائم الحاصلة. هل هو فاسد داخلي أم عامل خارجي؟ ما نلمسه يومياً أن المحتكرين وهم كُثر أعداء للشعب. والنزعة الفردية عند المواطن تجعله محتكراً بعيداً عن جشع التجار والوكالات الحصرية.

وهنا الفارق الجوهري بين غزة ولبنان. في القطاع معروف من هو العدو، إنما في الجمهورية التعددية يتعدد الأعداء ويكثر الانتفاع الذاتي وفقاً لقاعدة “اللهم نفسي”، علماً أن الناس في طبيعتها تتلاحم في الأزمات أو الحروب، إلا أن التزاحم والمشاكل عند طوابير البنزين تؤكد أن لبنان مجموعة شعوب في أرض واحدة؛ ومع ذلك المصائب ستجمع الشعوب هذه من كل الطوائف والمناطق.

وإذا أسقطنا نموذج غزة على لبنان، يعني أن إسرائيل ستشنّ عدواناً تستغل فيه الأزمات المعيشية. وهي من ظنت أن حصارها للقطاع يمكن أن يهزمه شر هزيمة في أي عدوان، فتحملت غزة أربعة حروب.

وهذا لا يعني أن الانسان يفترض أن يتحمل هذه الأوضاع، لكن ما يميز أبناء البشر عن غيرهم من كائنات أن باستطاعتهم الحركة والمبادرة للتغلب على الظروف غير المعروفة موعد وطريقة لانتهائها.

شارك المقال