خبيرة أميركية: الولايات المتحدة وضعت ثقة حلفائها على المحكّ

حسناء بو حرفوش

ما زالت ردود الأفعال تتوالى داخل الولايات المتحدة بعد الانسحاب الأميركي السريع من أفغانستان وما رافقه من دعوات لإعادة تقييم قدرة طالبان المتنامية أو التهديد الذي تمثله القاعدة. وفي هذا السياق، نشرت قناة “أي.بي.سي. نيوز” (ABCnews) الأميركية مقابلة بعنوان “الولايات المتحدة حليفة غير جديرة بالثقة بعد تخليها عن شركائها في الشرق الأوسط”، عقّبت خلالها نائبة رئيس الأركان في وزارة الأمن الداخلي في عهد ترامب إليزابيث نيومان، على الخيارات الأميركية وتبعاتها على استراتيجية الأمن القومي وعلى العلاقة بالحلفاء في المنطقة، قبل الختام بالتعليق على الموقف الصيني.

هل تستطيع طالبان تهديد أميركا؟

السؤال الأول تمحور حول نمو قدرة طالبان العسكرية وحجم التهديد الذي قد تشكله. حسب نيومان، “سيتطلب الأمر التأني بعض الوقت قبل تبلور الشكل الجديد لحكومة طالبان قبل كل شيء. وليس هناك شك أن موضوع الانسحاب من أفغانستان مطروح منذ فترة لكن القراءات والتحاليل تختلف عما كانت عليه منذ ثلاث أو أربع سنوات مضت وطالبان أقوى بكثير الآن. مع الإشارة إلى أنه كان من المحتّم أن تستعيد طالبان السيطرة على أفغانستان، وأن مثل هذه السيطرة ستخلق ملاذًا آمنًا للإرهابيين.

أما بالنسبة لقدرتها على شن هجوم ضد الولايات المتحدة، فأعتقد (أي نيومان) أن الأمر سيتطلب عقودًا أخرى قبل أن تتمكن من بناء هذه القدرة واكتساب استراتيجية دفاعية أقوى. لكن هذا لا يعني أنه ليس للولايات المتحدة أي أعداء مصممين وصبورين، يعتزمون شن هجمات ضدنا. لقد خلقت الولايات المتحدة المزيد من الأعداء في الجيل الافغاني القادم بسبب المظالم التي وقعت وستبدو شريرة في عين الأفغان الذين خانتهم بعد تقديم ​​وعود لمدة عشرين عامًا بحماية من ساعدوها وشاركوا معها في القتال. وسيتوجب عليها التعامل مع الكثير من الشعور بالظلم بعد خروجها من دون خطة لإخلاء المقربين منها بأمان”.

“أميركا خانت حلفاءها”

ويدور السؤال الثاني المطروح هنا حول الخطأ الذي ارتكبته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن علما أن خطة الانسحاب كانت مطروحة منذ عهد سلفه دونالد ترامب. فهل كان الطرح سيئا منذ البداية؟

تدعو نيومان في هذا السياق “للعودة لاستطلاعات الرأي والتعليقات لأن الشعب الأميركي لم يحظَ فعليا بتفسير من أي رئيس جمهورية للأسباب وراء أهمية التواجد في أفغانستان. وقد استثمرت الحملات الانتخابية شعارات الحاجة لوقف الحرب (…) ومن المفهوم أن أميركا عانت من تقدم صعب منذ حوالي خمس سنوات في كل من العراق وأفغانستان لكن الوضع الذي نتعامل معه اليوم مختلف تمامًا عما كان عليه قبل خمس سنوات. والحقيقة هي أننا تركنا تاريخياً القوات في مكانها في جميع أنحاء العالم لتحييد التهديدات (…) من دون أن تتضح معالم خطة طويلة الأمد. أضف إلى ذلك الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في السنوات العشرين الماضية وهي كثيرة، بغض النظر عمن ارتكبها (…) وبالإمكان الإشارة إلى الكثير من الأخطاء والدروس التي كان يمكن تعلمها من الأخطاء التي ارتكبناها على مدار العشرين عامًا الماضية. لكني لا أجد أن نهج بايدن أو ترامب حول الانسحاب التام من أفغانستان ضروريا، حتى ولو ترجمت هذه الخطوة موقفا سياسيا أو تنفيذا لوعد انتخابي.

انتقادي لإدارة بايدن هو أنه لم نكن بحاجة للانسحاب بهذه السرعة وقد قدمنا ​​وعودًا لنحو 100 ألف شخص. كان يجب أن نجعل إجلاء هؤلاء الأشخاص أولويتنا قبل سحب قواتنا. لا أفهم العوامل وراء الحاجة للانسحاب بهذه السرعة، ولا تتكافأ حاجة الانسحاب مع التخلي عن أولئك الذين ساعدوا قواتنا على خوض حرب صعبة للغاية خصوصا في بدايتها. لقد تخلينا عنهم وقمنا بخيانتهم وهذا أمر غير مقبول”.

ثم يستطرد المذيع بملاحظة أنها “ليست المرة الأولى تتخلى الولايات المتحدة عن حلفائها على الأرض. فمع انسحاب أميركا في ظل إدارة ترامب من سوريا، تُرك الأكراد ليدافعوا عن أنفسهم. فاستغلت الصين الوضع لتبعث للمعارضين في تايوان وهونغ كونغ وإلى الناس في تايوان بأنه لا يمكنهم الاعتماد على الولايات المتحدة”، قبل السؤال حول “عواقب ذلك على قدرة أميركا على التأثير في العالم؟”.

وفقا لنيومان، “تشكل مثل هذه اللحظة محطة سينظر فيها المؤرخون إلى الوراء ليرون تحولا أساسيا في نظرة العالم إلى الولايات المتحدة. آمل صدقا أن نتمكن من التعافي من هذه اللحظة، التي تشكل دليلا على تراجعنا. حقيقة الأمر هي أن الشراكات تشكل إحدى الطرق التي ننفذ من خلالها إستراتيجيتنا للأمن القومي (…) وهي التي تسمح لنا بتأمين حماية الرجال والنساء من الخطرعندما ندخل إلى بلد نعتقد أن التهديد يتجلى فيه، فندعوهم لمشاركتنا ومساعدتنا، لا بل ويقومون بالعمل الثقيل للتخلص من الأشرار. وتتطلب تلك الشراكات من الشركاء المحليين وضع الكثير على المحك. فهم يقومون بالكثير وغالبًا ما يتعاملون مع القضايا القبلية أو حتى يتواجهون مع أفراد الأسرة. هذه هي الطريقة التي نؤدي بها عملنا الاستخباراتي وهذا ما يساعدنا على العمل العسكري. والحال أن السبب الذي يضمن نجاحنا هو إيمان هؤلاء الأشخاص بنا وثقتهم بأننا سنلتزم بحمايتهم وعائلاتهم ضد أي تهديد. لكننا برهنّا العكس للتو. فلماذا قد يساعدنا أي شخص في المستقبل أو يلتزم بأي شراكة معنا في أفريقيا أو في أي مكان آخر من العالم في جهودنا لمحاربة أي تهديد إرهابي آخر قد ينبع من هناك؟ لقد أظهرنا بشكل أساسي أننا ضعفاء وأننا لا نفي بوعودنا. وستبقى هناك عواقب لأجيال بسبب سوء التعامل مع حالة الانسحاب من أفغانستان”.

والختام تعليقا على موقف الصين، تأسف نيومان: “عادة عندما تقول الصين أشياء من هذا القبيل، ندافع بالرد بأنها دعاية تضليلية لكن في هذه الحالة، إنها الحقيقة وسيتطلب الأمر الكثير من الوقت قبل أن تتعافى الولايات المتحدة مما حصل”.

شارك المقال