إستوقف المراقبين عقب لقاء وفد من حركة “حماس” الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، توجه الأمين العام لـ “الجماعة الاسلامية” في لبنان محمد طقوش إلى قطر ولقاؤه رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” إسماعيل هنية، بعدما كان رئيس الموساد غادر الدوحة، على اثر محادثات مع الوسطاء القطريين تناولت خطة لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن في غزة.
وجود طقوش (حليف “حزب الله”) في الدوحة وإجتماعه إلى هنية، أثارا تساؤلات عن هدف الزيارة وتوقيتها، وما إذا كان مكلفاً من قيادة الحزب بالتواصل مع الجانب القطري، ومع من تتعامل معهم في مسار الهدنة بمن فيهم الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وإسرائيل.
يذكر أن عملية “طوفان الأقصى” أعادت “الجماعة الاسلامية” إلى الواجهة في لبنان، من خلال إنخراط الجناح العسكري لها “قوات الفجر” تحت مظلة “حزب الله” في الأعمال العسكرية في جبهة “المشاغلة” جنوبي لبنان. وأعلنت “الجماعة” التعبئة العامة والتصريح بإعلان الجهاد وفتح باب التطوع في “قوات الفجر”، بحسب تصريحات رئيس المكتب السياسي لـ “الجماعة” علي أبو ياسين ومباركة أمينها العام. وكان الشهيد صالح العاروري (نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”) الذي اغتالته إسرائيل في الضاحية الجنوبية ببيروت مطلع 2024، قد أسهم في تعزيز قدرات “قوات الفجر”، انطلاقاً من مفهوم “وحدة الساحات” ضد إسرائيل.
وهذه الاطلالة “المتعسكرة” لـ “الجماعة”، تحمل الكثير من الالتباسات والتناقضات، التي لا تخلو من إنقسامات داخلية، على غرار تاريخها منذ التأسيس في بدايات ستينيات القرن الماضي، الذي شهد الكثير من التحولات والإنشقاقات والتموضعات السياسية، إرتبط جزء كبير منها، بالخلافات التي كانت تعصف بالتنظيم العالمي لجماعة “الإخوان المسلمين”، اذ انها تشكل الفرع اللبناني له. فهل باتت “الجماعة” في معسكر “حزب الله” وإيران؟
لا شك في أن “حزب الله” الذي خسر غطاءه المسيحي المتمثل في “التيار الوطني الحر”، جراء سقوط تفاهم “مار مخايل”، بحاجة إلى شريك “غير شيعي”، ليظهر أن المقاومة في الجنوب ليست محصورة بفئة معينة، كونه يدرك حساسية الموقف الداخلي منه، إذ ان الساحة اللبنانية بفعل الانقسامات الحادة طائفياً ومذهبياً وسياسياً، مهيأة لصراعات بشأن القضايا الخلافية، التي من الممكن معرفة بدايتها، لكن لا أحد يمكنه التكهن إلى أين يمكن أن تصل، لذا سعى الحزب إلى إشراك أطراف لبنانية متعددة (خصوصاً السنّية منها) في العمل المقاوم، ليقطع الطريق على ما يمكن تصويره بأنه حرب على الحزب وحده في أي حرب محتملة.
وهذا ما دفع الحزب إلى إقحام “الجماعة الاسلامية” في جبهة “المشاغلة”، خصوصاً وأن الانتخابات الداخلية لـ “الجماعة” في الصيف ما قبل الماضي، أتت بقيادة تدور في فلك الحزب. فإنتخابات مجلس شورى “الجماعة”، أسفرت عن وصول قيادة بيروتية شابة هو الشيخ محمد طقوس إلى منصب الأمانة العامة لـ “الجماعة” لأول مرة منذ تأسيسها قانونياً عام 1964، وذلك كما يفصح أحد قيادييها، بسبب الضغط الذي مارسه القيادي في حركة “حماس” يحيى السنوار (المقرّب من الحرس الثوري الايراني)، بهدف استبعاد الجناج التركي في “الجماعة” عن مواقع القيادة، والمقصود على وجه الخصوص الشيخ أحمد العمري.
وتميل دفة طقوش نحو إيران وعلى علاقة جيدة جداً مع “حزب الله”، على عكس الأمين العام السابق عزام الأيوبي، الذي كان يميل باتجاه تركيا التي يعتبرها البعض الداعم الأساسي لـ “الجماعة”، حتى أن بعض الأعضاء يحمل الجنسية التركية. ويشير مصدر مقرّب من “الجماعة الاسلامية” الى أن طقوش متفرغ في أحد أجهزة حركة “حماس”، وجرى طرحه بديلاً عن الأيوبي عقب مشاورات مشتركة بين “حزب الله” و”حماس”، ما يعني أن الأخيرة سهّلت للحزب الدخول في صميم تنظيم “الجماعة”. وكان طقوش قد تولى في المرحلة الممتدة بين 2012-2015 مسؤولية رئاسة مكتب بيروت في “الجماعة”، وشهد عهده استقالات جماعية لمجموعة شبابية، على خلفية عدم اندفاعه الى العمل لصالح الثورة السورية لكونه مقرّباً من خط “حزب الله”.
يشار الى أنه عندما انتخب عزام الأيوبي عام 2016 أميناً عاماً لـ “الجماعة الاسلامية”، والذي يمثل التيار الإصلاحي الساعي الى التخفف نسبياً من الإرث الايديولوجي لـ”الإخوان المسلمين” والانفتاح على القوى السياسية المحلية، وكذلك على الدول العربية، عاد اسم الذراع العسكرية لـ “الجماعة” الى التداول، عندما اتخذ الأيوبي قراراً بإقالة قائد “قوات الفجر” خالد بديع وقيادات عسكرية أخرى. وعيّن الأيوبي طلال الحجار من منطقة إقليم الخروب قائداً جديداً للجهاز، لكن جميع المعزولين رفضوا تنفيذ القرار وأصروا على الاستمرار في مواقعهم، حتى لو أدى ذلك إلى حدوث انشقاقات في “الجماعة”.
وكان هذا الانقسام يجري على وقع انقسام آخر داخل الأطر القيادية لـ”الجماعة” بين خطين سياسيين: واحد موالٍ لتركيا وقطر، والآخر يريد التحالف مع “حزب الله” و”محور الممانعة”. وقد تزعم الخط الأول عزام الأيوبي وقيادات أخرى مثل النائب الحالي والوحيد لـ”الجماعة” عماد الحوت، فيما كانت بصمات حركة “حماس” واضحة في الخط الثاني، وغالبية وجوهه من القيادات الأمنية أو العسكرية، بقيادة طقوش.
على الرغم من عودة “الجماعة الاسلامية” إلى المسرح السياسي ببذلة عسكرية، كفصيل سني لدى “حزب الله”، فإنها تعيش إرباكاً وتململاً سياسياً وداخلياً، وباتت مهددة بالإنقسام، في ظل الصرخة الداخلية الرافضة لحالة التماهي والالتصاق العضوي بالحزب.