شراهة عون وصهره تطيّر الحكومة

رواند بو ضرغم

أربع رسائل في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون وصلت إلى مجلس النواب، وكانت في المرات الأربع ممراً للهجوم على نهجه المتبع بمحاولة رفع المسؤولية عنه وإلقائها على كاهل المجلس النيابي… أربع رسائل كان ردها بمثابة صفعات لمسيرته الرئاسية وفتاواها الاستشارية ولم يتعلم! بدءاً من تفسير المادة 95 من الدستور، إلى تفسير التدقيق الجنائي، مروراً بالنظر في تكليف الرئيس سعد الحريري ت نأليف الحكومة، وصولاً إلى مناقشة قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة برفع الدعم.

ممارسات رئيس البلاد ما هي إلا تثبيت لنهجه التعطيلي وعرقلته للمؤسسات الدستورية، وخير دليل على ذلك، تعطيله ولادة الحكومة واحتجازه توقيعه إلى حين تنفيذ شروطه، وأهمها الحصول على الثلث المعطل وحجب حق تسمية الوزراء المسيحيين عن الرئيس المكلف السني. فماذا في تفاصيل انعدام منسوب التفاؤل بعد أن وصلت نسبة التشاؤم في الأيام القليلة الماضية إلى ما دون الصفر؟

في الشكل، فإن تفسير كتاب رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي هو دليل على عدم قرب ولادة الحكومة، وإشارة واضحة إلى نية عون باستمراره في تعقيد التأليف. فلو كان رئيس الجمهورية يصدق أن ولادة الحكومة مسألة ساعات قليلة، لما طلب من المجلس النيابي التحرك من أجل وقف قرار حاكم مصرف لبنان، لأنها من صلاحيات السلطة التنفيذية وليست من مهام السلطة التشريعية التي أقرت قانون البطاقة التمويلية.

أما في المضمون، ووفق مصادر مطلعة على مفاوضات تأليف الحكومة، فإن الرئيس عون غيّر موفده الرئاسي المعتاد الوزير السابق سليم جريصاتي، وأوفد يوم الأربعاء مدير عام رئاسة الجمهورية انطوان شقير للقاء الرئيس المكلف نحيب ميقاتي. وقد نقل شقير في الاجتماعين اللذين عقدهما مع ميقاتي مطلب عون بتسمية كافة الوزراء المسيحيين باستثناء وزيري “المردة”، هذا يعني حصول عون على عشرة وزراء مسيحيين بالإضافة إلى الوزير الدرزي المحسوب على رئيس “الحزب الديمقراطي” النائب طلال ارسلان، أي أكثر من الثلث المعطل. هذا الأمر استفز الرئيس ميقاتي مدعوماً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “المردة” سليمان فرنجية المشاركين الأساسيين في الحكومة.

ظهرت الأجواء الحكومية السلبية في الإعلام، وهذا ما دفع الرئيس عون إلى استدعاء الرئيس ميقاتي للقائه في منزله داخل القصر الجمهوري، إلا أن هذا اللقاء لم ينتج عنه أي إيجابية، وبقي الحال الحكومي الأسود على ما هو عليه، لأن عون بقي مستمراً في مطالبته بعشرة مسيحيين من حصته وإنْ بأشكال وفتاوى رئاسية مختلفة.

لم يعط ِعون “الحزب القومي” أياً من المقاعد المسيحية، بل أراد تمثيل الأقليات وطرح اسم حبيب افرام المعروف بقربه من عون وتياره، وطرح اسم وليد نصار وزيراً للسياحة، واعتبرهما حياديين. وهذا ما لم يمر لا على ميقاتي ولا على بري، وهو مبدأ مرفوض رفضاً قاطعاً. إلا أن عون بقي مصراً على تسميته للوزراء الثمانية المحسوبين من حصته، بالإضافة إلى المسيحيين المتبقين من خارج حصة الأحزاب، رافضاً أن يسميهما الرئيس المكلف تحت ذريعة أن رئيس الجمهورية مؤتمن على تسمية المسيحيين في ظل امتناع كتلتي “لبنان القوي” و”الجمهورية القوية” عن المشاركة في الحكومة، وهذا ما يفسر كلام الرئيس بري للنائب جورج عدوان في جلسة مجلس النواب إذ قال: أحد الأسباب التي يمكن أن يسهّل عمل الحكومة هو أن تشتركوا فيها لأنّ أحد أهمّ العراقيل الأساسية هي منها. هذا يعني أن مشاركة القوات في الحكومة تسقط ذريعة عون بتسمية المسيحيين، ويحصل فقط على حصته من دون الانقضاض على حصة القوات أيضاً، وبذلك نقطع الطريق أمام المطلب الرئاسي بالثلث المعطل!! إلا أن القوات “فالج لا تعالج”.

السحاب الأسود لا يزال مغيماً على الجو الحكومي، ولا يزال عون يراوغ في استيلاد حلول تصب جميعها في مصلحة الثلث المعطل، عبر أسماء ذات طابع حيادي إنما في الواقع هي شخصيات عونية الهوى.

ووفق معلومات موقع “لبنان الكبير” أوفد عون من جديد شقير للقاء ميقاتي عصر الجمعة، حاملاً معه أسماء جديدة للوزراء المسيحيين العشرة، ولكن لا جديد في نهج رئيس يستخدم حقوق المسيحيين غطاء لشراهته وصهره على المغانم السياسية والحصص الوزارية… وفي المحصلة فإن الجو السائد تشاؤمي وطارت الحكومة، وأصبح الرئيس ميقاتي أقرب إلى الاعتذار، وهو هدد عون بذلك جدياً.

شارك المقال