وفق مبدأ “ربّ ضارة نافعة” يتعامل الجمهوريون عموماً وأنصار المرشّح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب خصوصاً مع حادثة محاولة اغتياله. ومن المؤكّد أن ما حصل خطير جداً، ويُهدد ديموقراطية العملية الانتخابية ويطرح تساؤلات عديدة حول الأمن في الولايات المتحدة الأميركية، لكن تبقى التداعيات السياسية لمحاولة الاغتيال الفاشلة وانعكاساتها على المعركة الانتخابية هي الأهم.
لا شك في أن تداعيات عملية الاغتيال التي وقعت أثناء القاء ترامب كلمته في تجمّع انتخابي في بنسلفانيا، ستكون نقطة تحوّل في مسار المعركة الانتخابية، وستزيد من حظوظه في الوصول إلى البيت الأبيض، ولو قلّل الحزب الديموقراطي من تأثيرات ذلك على الرأي العام الأميركي. علماً أن ترامب يعتمد كثيراً على شخصيته وحضوره، بل يجنح إلى “شخصنة” الأمور، وسيجعل من صور عملية الاغتيال شعاراً انتخابياً يؤشّر إلى صموده وقوّته وعجز الخصوم عن النيل منه، وفق مبدأ “الرصاصة التي لا تقتلني تجعلني أقوى”.
بعد التواصل مع مصادر في الحزب الجمهوري في واشنطن، أكّدت أن “ما حصل من إطلاق النار على تجمع ترامب بالفعل سيعبّد الطريق إلى البيت الأبيض عبر تحفيز القاعدة وإثارة حماستها تضامناً مع ترامب الجريح الذي نهض على قدميه، رافعاً قبضته في الهواء، على الرغم من الإصابة والدماء التي تغطي وجهه، وهو يهتف: قاتلوا، قاتلوا، قاتلوا!”.
وتلفت المصادر إلى أن “الديموقراطيين أيضاً تضامنوا مع الرئيس السابق ربما لاستيعاب ما حصل وخفض التوتّر وحتى لا تأخذ المعركة الانتخابية أبعاداً أخرى وتغرق في العنف المتبادل. وإذا أردنا قراءة الصورة على نحو بانوراميّ، نقول ان الرئيس جو بايدن تلقى الصفعة الأولى في المناظرة التلفزيونية، والصفعة الثانية بعد عملية الاغتيال، ولا يختلف إثنان على أن حظوظه تراجعت كثيراً، والآن يتطلع الحزب الجمهوري، لا إلى الفوز بالرئاسة وحسب، إنما الفوز بمجلسي الكونغرس أيضاً”.
وبصرف النظر عما ستؤول إليه التحقيقات في عملية الاغتيال، يُمكن القول ان الذُعر ينتاب الديموقراطيين، وربما بات من الضروري التفكير في استبدال بايدن بمرشّح آخر إذا أرادوا حفظ ماء الوجه.
وترى مصادر في الحزب الجمهوري أن “ترامب سيغيّر وجه أميركا ويوقف الإنحدار، بل سيغيّر العالم”، مشيرة إلى أن “أولى القرارات في عهده ستكون تنفيذ عملية ترحيل أكثر من 11 مليون شخص من البلاد، وخصوصاً من المكسيكيين والأميركيين الجنوبيين الذين يدخلون إلى أميركا على نحو غير شرعي، وسيبدأ باجراءات اقتصادية ومالية تعيد التوازن إلى الولايات المتحدة، وسيتشدد أمنياً مع الجرائم، وربما سينشر الحرس الوطني والجيش في بعض الولايات، وقد يعيد الاعتبار الى أنصاره المتّهمين بمهاجمة مبنى الكابيتول الأميركي في 6 كانون الثاني 2021”.
أما التحدي الأكبر فسيكون على صعيد السياسة الخارجية، وتعتبر المصادر أن “من المتوقع أن يدخل ترامب في ولاية ثانية مدعوماً بعدد كبير من مراكز الأبحاث والدراسات التي يعمل فيها موالون له وضعوا خططاً مفصّلة لخدمة أجندته، وسوف يُفاجئ الناس بالسرعة التي سيتخذ فيها الاجراءات لتغيير العالم وإنهاء الصراعات، بحيث سينهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا عبر جمع الرئيسين فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي، ولو تطلّب الأمر تنازلات من الأخير، مع حفظ ماء الوجه. فترامب سيستفيد من علاقته الشخصية الجيدة مع بوتين، لذلك سيحيط نفسه بأشخاص يلتزمون برؤيته للعالم، وبالتالي ستكون إدارته أقل عداء لروسيا وأكثر تعاطفاً مع بوتين”.
وتشير المصادر في الحزب الجمهوري إلى أن “ترامب يريد وقف نزيف الـ60 مليار دولار التي تنفقها واشنطن كمساعدات عسكرية لأوكرانيا في حرب عبثية”، لافتة إلى أن “لا شيء مجانياً لدى ترامب، فهو غالباً ما أعرب عن نيّته بترك حلف الناتو، وربما يفعلها في ولايته الثانية أو على الأقل سيطرح ذلك على طاولة البحث، لأنه لا يريد توفير حماية لحلفائه الأوروبيين من دون أن يدفعوا فواتير هذه الحماية، وهو ردّد ذلك مراراً وتكراراً”.
ولن يكون ترامب أقل حزماً، وفق المصادر، مع الحرب بين اسرائيل و”حماس”: “صحيح أن علاقته برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ليست نموذجية، إلا أنه لن يرضى بأن تحلّ الأزمة على حساب اسرائيل، وسيعمل على خفض وتيرة الصراع المحموم تدريجياً، وسيجعل غزة منزوعة السلاح، مع تشديد الرقابة على حماس، ولا بد من التذكير بأن ترامب دفع بعض الدول العربية إلى التفاهم مع اسرائيل وفق اتفاقية ابراهام، لذلك سيُتابع في ولايته الثانية، إذا تم انتخابه، عقد مثل هذه التفاهمات بين اسرائيل والدول العربية ولا سيما السعودية”.
أما سياسة الولايات المتحدة حيال إيران، فستعود إلى نقطة الصفر من خلال التشدد مع نظامها على صعيد الاتفاق النووي وإعادة الإعتبار الى سياسة العقوبات القاسية، وربما تنفيذ ضربات عسكرية موضعية موجعة في أماكن حسّاسة، وهذا ما تؤكّده مصادر الحزب الجمهوري.
وورد في تقرير صادر عن مركز “بروكينغز” البحثي في واشنطن أنه سواء فاز ترامب بالانتخابات أم لا، فإن “السياسة الاقتصادية الأميركية تجاه الصين من المرجح أن تصبح أكثر صرامة، وليس أكثر مرونة، وبات مؤكداً أن ترامب نفسه إذا فاز سيفرض تعرفة ثابتة جديدة بنسبة 60% على جميع الواردات الصينية”. اضافة إلى ذلك، هناك توجّه واضح لترامب الى الإمتناع عن التورّط في أي حرب مع الصين دفاعاً عن تايوان.
بمجرد أن نجا ترامب من عملية الاغتيال التي استهدفته، زادت احتمالات فوزه بالرئاسة، ولا بد من أن تؤكّد استطلاعات الرأي المقبلة ذلك، وخصوصاً على صعيد الولايات السبع المتأرجحة التي من المرجح أن تحدد النتيجة، وقد أصبح بإمكان مراكز الدراسات القريبة من الحزب الجمهوري أن تتحدث عن الخطوط العريضة لرئاسة ترامب المقبلة التي من شأنها أن تعيد تشكيل الولايات المتحدة الأميركية ودورها في العالم.